35 - التحذير من الشيطان
الخطبة الثانية
  
  الحمد لله العظيم شأنه، الواضح برهانه، أحمده على حسن البلاء وتظاهر النَّعماء، وأتوكل عليه، وكفى بالله وكيلاً.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً صمداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وربَّنا وربَّ آبآئنا الأولين.
  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ÷ أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الأخيار الصادقين الأبرار.
  أما بعد أيها المؤمنون: إن الشيطان لعنه الله قد بذل نفسه وعمره في إفساد أحوال بني آدم، وقد أمر الله بالحذر منه واجتنابه، وأبان لنا شدة عداوته في محكم كتابه، فالواجب على العاقل أن يأخذ منه حذره، ويستدفع شره بكل ما قدر عليه، فإنه لا يحصل الفوز بالنعيم، والنجاة من العذاب الأليم إلا لمن سلم من الشيطان الرجيم، ولهذا قيل: من كان يرجو الجنان، ويخاف النيران، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد أرشدنا الله في كتابه وعلى لسان نبيه ÷ إلى ما ينجينا من شره، فقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}[فصلت: ٣٦]، وأخبر تعالى أنه لا سلطان له على أولياء الله، فقال تعالى {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٩٩ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ١٠٠}[النحل]، وأخبرنا أن كيد الشيطان ضعيفٌ، كما قال تعالى {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ٧٦}[النساء]، وقد بيّن الله لنا الأمور التي إن عملناها هرب منا الشيطان مذعوراً، وقد جعل الله تعالى الإستعاذة والدعاء وفعل الطاعات من أعظم ما يمنع الشيطان منا، كما قال تعالى {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ٩٧ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ٩٨}[المؤمنون]، وكما قال تعالى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ٩٨}[النحل].