2 - حول بداية السنة الهجرية
الخطبة الثانية
  
  الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُه، ونؤمنُ بهِ، ونتوكلُ عليهِ، حَمْدَاً يكون أرضى الحمدِ لَهُ، وَأَتَمَّ الحمدِ لَدَيهِ.
  وأشهدُ أَن لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِلَهَاً وَاحِدَاً، فَرْدَاً صَمَدَاً، لَيسَ لَهُ نِدٌّ ولَا شَبِيهٌ.
  وأشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدَاً عَبْدُهُ المصطَفَى، ورَسُولُه المجتبى، صلواتُ اللهِ وسَلَامُهُ عَلَيهِ وعلَى آلهِ الهُدَاةِ لِدِينهِ.
  أما بعد: أيها المؤمنون:
  القضيةُ الثَّالِثَةُ: تُعَبِّرُ عن شَخصِيَّةِ هذهِ الأُمَّةِ واستقلالِ أتباعِهَا عن غيرهم من سَائِرِ الأُمَمِ والملَلِ، وهي قضيةُ التارِيخِ الهجري، لو تسآءلْنَا عن كيفيةِ وضعِ هذا التاريخِ ومعناه وأهميتِه، وَلِمَاذَا يُؤرِّخُ المسلمونَ بِهِ؟.
  فَقَدْ كَانَ أَهلُ الجاهِلِيَّةِ يُؤَرِّخُونَ بَأَيَّامِ العربِ وأحداثِهَا الكِبَارِ، كعَامِ الفِيلِ وحَربِ البَسُوسِ وغيرِهَا، وَقَدْ أَشَارَ القرآنُ الكريمُ إلى تَارِيخِ هَذهِ الأُمَّةِ في قولِهِ تَعَالَى {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}[التوبة: ١٠٨]، والمعلومُ أَنَّهُ ليسَ أولَ الأيامِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُضَفْ يومٌ إلى لَفظٍ ظَاهِرٍ، فهو مُضَافٌ إلى مُضْمَرٍ، وهو أولُ يومٍ من الهجرَةِ.
  وأيضَاً: فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اجتمعوا وتشاوروا في خِلَافَةِ عُمَرَ في السَّنَةِ السَّابِعَةَ عَشرَ من الهجرةِ في أمرِ التاريخِ الإسلَامِيّ بماذا يُؤرخونَ؟.
  فمنهُم مَن قَالَ: بِمَولدِ النبيِّ ÷، ومنهم مَن قَالَ: بِبِعثَتِهِ، ومنهم من قَالَ: بِهِجْرَتِهِ، وَمِنهُمْ مَنْ قَالَ: بِمَوتِهِ، ثُمَّ اجتَمَعَ رَأَيُهُمْ على أَنْ يكونَ بالهجرةِ من مَكَّةَ إلى المدينَةِ، لِأَنَّهَا السَّنَةُ التي كَانَ فيها قِيَامُ كَيَانٍ مُسْتَقِلٍّ للمُسلِمِينَ، وفيهَا تكوينُ أولِ بَلَدٍ إسلامِيٍّ يُسَيْطِرُ عليه المسلمونَ.