روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

41 - موعظة حول الدنيا وكيف نستغلها؟

صفحة 339 - الجزء 2

الخطبة الثانية

  

  الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ÷، شهادتين أدخرهما ليوم المعاد، وأرجو بها الفوز والزلفة بين العباد.

  أما بعد أيها المؤمنون: هذه الدنيا التي خلقنا الله تعالى فيها، هي دار ليست مقصودة في نفسها، ولا معنية في ذاتها، وإنما هي وصلةٌ إلى غيرها، فهي دار صالحة للنفع والضر، والصلاح والفساد، والخير والشر، فهي عبارة عن سوق تتزود فيها بما أردت، وتتجار فيها بما أحببت، ولن نصل إلى درجات النعيم إلا من خلالها، ولن ينال المرءُ دركاتِ الجحيم إلا من قِبَلِهَا.

  فالدنيا يستطيع الإنسان أن يصل بواسطتها ومن خلالها أن يصل إلى الدرجات العليا في الجنان، وأن يبلغ رضوان الله الأكبر، ولهذا فإن أمير المؤمنين علياً # عندما سئل: لو خُيِّرَ بين ساعة من الدنيا وساعة من الآخرة أيهما يختار؟

  فقال #: أختار ساعة من الدنيا لأني سأجلب فيها ساعات وأعوام لا تنقضي من الآخرة.

  فالدنيا وإن كانت من أسباب ضلالنا وهلاكنا، لكنها قد كاشفتنا وصرحت لنا بعبرها، وحذرتنا من نفسها، وإنما السبب الحقيقي في هلاكنا هو حبُّنا لها، وتعلقُنا بها، وإيثارُنا لها على الآخرة، كما قال تعالى {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ١٦ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ١٧}⁣[الأعلى]، وكما يقول النبي ÷ «حب الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة»، فمن أحبها تورط معها، فهي كثيرة الغدر والضرر، لكن غدرها وخدعها وضررها لا يتعدى مَن أحبها، وإنما يقتصر عليهم، لأن من خدمها صيرته عبداً لها، ومن أمنها أخافته منها، وأما مَن يصحبها بالسلامة فإنه ينال ما يتمنى منها، ويسلم من مكرها