روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

5 - حول مقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه

صفحة 48 - الجزء 1

الخطبة الثانية

  

  الحمد لله مبير الظالمين، وقاصم الجبارين، والمنتقم للمظلومين.

  وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين.

  أما بعد: أيها المؤمنون: بقي الإمامُ الحسينُ وحيداً في أرض المعركة يلتفت يميناً وشمالاً فلا يرى مغيثاً ولا ناصراً، وهو يرى جثث أصحابِه وأهلِ بيته عن يمينه ويساره ومن أمامه وخلفه، قد مزقتهم السيوف والرماح، وينظر إلى النساء ليس معهن من يحميهن أو يدافع عنهن، ويعلم مصيرهن بعده، وفي تلك الأثناء العطشُ يفتت كبده، ويضعف جهده، وينهك جسده، وجيش العدو قد ارتفعت معنوياتُهم، واستبشروا بخسرانهم، وجاء دور الأسد فقد قتل الأشبال، وحان وقت الوفاء لأولئك الأبطال، فتقدم الحسين عارفاً بمصيره، محتسباً لنفسه، ناسياً كل تلك الأمور التي كل واحد منها كافٍ في ضعفه ووهنه وفشل موقفه، فصال عليهم وجال فيهم، حتى فرقهم وطردهم كما يطردُ الأسد قطيعَ الفريسة، وهم يفرون منه كما تفر الغنم من الذئب، وهو يقتل فيهم ويجرح، ويطعن ويضرب ولا يبالي، وهم بين راشق له بالنبال، ورامٍ له بالحجارة والسهام، وطاعن له بالرمح، وضارب له بالسيف، من أمامِه وخلفِه وعن يمينِه ويسارِه، وهو يناجزهم وينتهز فرصةَ الخلل فيهم، مستعيناً بالله عليهم، متيقناً بما يؤول إليه أمرُه من الفوز بالشهادة، وهو يعرف عاقبة أمرهم من الخزي والوبال، فصارت الدماء تسيل من كل عرق ومفصل ومنبت شعرة في جسمه، فكأنه قربة ماء مخرقة من جميع الجوانب والأنحاء، ولا يكاد يوجد موضع أصبع في جسمه إلا وقد رمي بسهم أو طعن بسيف أو رمح، فأضعفته الجراح، وأنهكته الدماء، وهو يأخذ الدماء، ويلطخ بها جسده ويقول: (هكذا حتى ألقى