روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

17 - أسباب البلاء ودوافعه

صفحة 149 - الجزء 2

١٧ - أسباب البلاء ودوافعه

الخطبة الأولى

  أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

  

  الحَمْدُ للهِ أَهْلِ الحَمْدِ والثَّنَاءِ، وَرَبِّ الأَرْضِ والسَّمَاءِ، وخَالِقِ الخَلْقِ وَالأَنَامِ، وَمُدَبِّرُ اللَّيَالِي والأَيَّامِ، الَّذِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ رَحْمَتُهِ، وَأَبْدَعْتْ كُلَّ خَلقٍ حِكْمَتُهُ، وَقَهَرَ كُلَّ ذِي سُلْطَانٍ سُلْطَانُهُ، وَبَهَرَ كُلَّ بُرْهَانٍ بُرْهَانُهُ، وَدَلَّتْ بَدَائِعُ صَنْعَتِهِ، وَمَوَاقِعِ خِلْقَتِهِ، عَلَى أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ مَوْجُودٍ، وَإِلَهُ كُلِّ مَعْبُودٍ، وَمَنْشِئ كُلِّ مَحْسُوسٍ وَمَعْقُولٍ، وَمُحْدِثُ كُلِّ عِلَّةٍ وَمَعْلُولٍ.

  وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لًا شَرِيْكَ لَهُ، شَهَادَةً أَوْجَبَهَا حُكْمُ الْمِلَّةِ، وَكَلِمَةً صَدَّقَهَا وَاضِحُ الأَدِلَّةِ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً ÷ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الأَمِينُ الْمَيْمُونُ، أَرْسَلَهُ هَادِيَاً لِخَلْقِهِ، وَدَاعِيَاً إِلَى حَقِّهِ، فَأَدَّى الرِّسَالَةَ، وَأَقَامَ الدَّلَالَةَ، وَدَعَا إِلَى دَارِ النَّعِيمِ، وَهَدَى إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ الأَبْرَارِ، وَعِتْرَتِهِ الأَطْهَارِ.

  أما بعد: أيها المؤمنون: فإننا في زمان كثيرةٍ محنُه، شديدةٍ فتنُه، متعددةٍ فيه أنواع البلاء، متنوعةٍ فيه أسباب الشدائد والأواء، مصاعبُه تتصاعد، ومصائبُه تتزايد، فلا بد من أن نتخذ لنا منه جُنَناً واقية، ونعدّ لنا عليه لردّ قسوته أسلحة ماضية، وأن نتدرع بدروع قوية حامية، فإننا نجد في هذه الأزمنة أنواعاً من البلاء لم تكن عند من قبلنا معروفة، وليست عند من سبقنا مألوفة، من أمراض يصعب علاجها، ومصائب متلونة أعراضها، ومعيشة صعبة، وقلة بركة في الثمار، وانتزاع البركة من الأموال، وغلاء في الأسعار، وكل ذلك أسبابه بأيدينا، وعلاجه سهل ويسير علينا، كما يقول الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ١١}⁣[الرعد].

  أخي المسلم: إن للبلاء أسباباً، وللمصائب أبواباً، فلا بد أن نتعرف على أسبابه كي نحذرها ولا نقعَ فيها، وأن نغلق أبوابه حتى لا نتورط في الدخول فيها، فإن ما عُرِفَت