روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

40 - خطبة في العشر من ذي الحجة

صفحة 360 - الجزء 1

الخطبة الثانية

  

  الْحَمْدُ لِلَّهِ النَّاشِرِ فِي الْخَلْقِ فَضْلَهُ، وَالْبَاسِطِ فِيهِمْ بِالْجُودِ يَدَهُ، نَحْمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَنَسْتَعِينُهُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِ.

  وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً، وَبِذِكْرِهِ نَاطِقاً، فَأَدَّى أَمِيناً، وَمَضَى رَشِيداً، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين.

  أما بعد: أيها المؤمنون:

  هذه الأيام المباركة جعلها الله تعالى موعد خير وبركة للمسلمين، فمن حرص عليها، واهتم بها، وقام بما ينبغي عليه تجاهها من المبادرة والمسارعة إلى أفعال الطاعات وأعمال الخير، فهو المسلم المتفهم، الحريص على جلب الخير لنفسه.

  وفي هذه الأيام تَحِنُّ قلوبُ كثيرٍ من المؤمنين إلى حج بيت الله الحرام، ولعلمه سبحانه وتعالى بعدم قدرة الكثيرين على الحج كل عام فقد فرضه على المستطيع مرة واحدة، ومن رحمته الواسعة جعل فضلَ موسمِ العشر الأولى من ذي الحجة مشتركاً بين الحجاج وغيرهم، فمن عجز عن الحج في عامه فهو يقدر على تعويض بعض ما يفوته من أجر الحج وفضله بالإجتهاد في العبادة في هذه العشر، فيكون الإجتهاد فيها بالعمل الصالح أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج.

  أيها المؤمنون: إنَّ حثَّ النبي الكريم ÷ على الجد والإجتهاد في هذه الأيام، يُعلمنا دروساً تربوية، ويُكسبُنا فوائدَ إيمانية، ويدعونا إلى ضرورة الإهتمام والرعاية بهذه المناسبة السنوية التي لا تحصل في العام إلا مرةً واحدةً، وينبهنا على اغتنامها في عمل الطاعات القولية والفعلية، لما فيها من فُرَصٍ تُقربُ إلى الله تعالى، ولما فيها من تزويد النفس البشرية بالغذاء الروحي المعنوي الذي يرفع من الجوانب المعيشية عند الإنسان، فتُعينه بذلك على مواجهة صعوبات الحياة.