5 - حول حقيقة محبة الله
الخطبة الثانية
  
  الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، نَحمدُهُ على فَضلِهِ وإحسَانِهِ، وَمَا أسبغَ علينا من نِعمِهِ وامتنَانِهِ.
  وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، أرسلَهُ بالهدى ودينِ الحقِّ ليظهره على الدينِ كلِّهِ، فقامت به الحُجَّة، وتَمَّتْ به النِّعمَة، صَلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلِهِ الطَّاهِرينَ.
  أما بعد: أيها المؤمنون:
  يقول الله تعالى {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ٢٤}[التوبة]، في هذه الآية الكريمة يتهدد الله تعالى ويتوعد من قدم محبة ثمانية أشياء على ثلاثة أشياء، من قدم وآثر الأباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والتجارات، على محبة الله ورسوله والجهاد في سبيل دينه وشريعته.
  إِنَّ مَن أحبَّ اللهَ تعالى محبةً صادقةً صحيحةً، جعلَ اللهُ جزآءَه وثمرةَ محبتِه لله أن يُحِبَّهُ اللهُ، ويَا لَه من جزاءِ ما أعظمَه وما أكرمَه، ويا لها من مَرتَبَةٍ ما أَجَلَّهَا وما أرفعَها، وهي الوصولُ إلى محبةِ الله تعالى لك، فإنَّ مَن أَحَبَّهُ اللهُ، فقد رَضِيَ عَنه، مَن أحبَّهُ اللهُ غفَرَ لَه، من أحبَّه اللهُ أعانَه، مَن أحَبَّهُ اللهُ دافَعَ عنه، من أحبَّهُ اللهُ يَسَّرَ أمورَه، من أحبَّهُ اللهُ أزالَ عُسرَه، وَكَمْ وَكَمْ من الفوائد في محبة الله لنا.
  كَمَا روي عن النبي ÷ في الحديث القدسي عن ربه ø: (إِنَّ اللهَ تعالى قَالَ: مَن عَادَى لي وَلِيَّاً فقد آذَنْتُهُ بالحربِ، ومَا تَقَرَّبَ إليَّ عبدِي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضْتُهُ عليه، ومَا يزالُ عبدِي يتَقَرَّبُ إليَّ بالنوافِلِ حتى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي