روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

2 - حول بداية السنة الهجرية

صفحة 23 - الجزء 1

٢ - حول بداية السنة الهجرية

الخطبة الأولى

  

  الحَمْدُ للهِ أَهْلِ الحَمْدِ والثَّنَاءِ، وَرَبِّ الأَرْضِ والسَّمَاءِ، وخَالِقِ الخَلْقِ وَالأَنَامِ، وَمُدَبِّرُ اللَّيَالِي والأَيَّامِ، ومقدِّرِ السنينَ والأعوامَ، الَّذِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ رَحْمَتُهِ، وَأَبْدَعْتْ كُلَّ خَلقٍ حِكْمَتُهُ، وَقَهَرَ كُلَّ ذِي سُلْطَانٍ سُلْطَانُهُ، وَبَهَرَ كُلَّ بُرْهَانٍ بُرْهَانُهُ.

  وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لًا شَرِيْكَ لَهُ، شَهَادَةً أَوْجَبَهَا حُكْمُ الْمِلَّةِ، وَكَلِمَةً صَدَّقَهَا وَاضِحُ الأَدِلَّةِ.

  وَأَشْهَدُ أَنَّ محمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، المنْتَجَبُ المصْطَفَى، ÷ مَا بَقِيَ الأنَامُ، وتَعاقَبَتِ الأيَّامُ، وتنَاوبَتِ الأعوَامُ، وما خَطَرَتِ الأوهَامُ، وتَدَبَّرَتِ الأفهَامُ.

  أَمَّا بعدُ: أَيُّهَا المُؤمنُون:

  ها نَحنُ نَعيشُ في بدايةِ سَنَةٍ هِجريَّةٍ جَدِيدَةٍ، تُذَكِّرُنَا بأُمُورٍ هَامَّةٍ تَتَعَلَّقُ بتاريخِ الأُمةِ الإسلَامِيةِ، ولا ينبَغِي أنْ نُهملَ تِلكَ الأمورَ، فَهنَاكَ ثَلاثٌ مِن القَضَايَا الهَامَّةِ التي تَتَعَلَّقُ ببدَايةِ السَّنَةِ الهجْريَّةِ، لَا بُدّ أنْ نَتَأَمَّلَهَا بِعَينِ الإنصَافِ، وأَنْ نَهْتَمَّ بها جَيِّدَاً:

  القضيةُ الأولى: كَيفَ نَقْضِي عامَنَا الجدِيدَ المقْبِلَ؟

  إِنَّ كلَّ نَفَسٍ وكلَّ لَحْظَةٍ ودَقِيقَةٍ وَسَاعَةٍ ويَومٍ وليلَةٍ وأُسْبُوعٍ وشَهرٍ وعَامٍ يَمُرُّ ويَمضِي فَهُوَ جُزءٌ مِنْ أعمَارِنَا وحَيَاتِنَا، يَفْنَى ولَا يَتَبَدَّلُ، فعلينَا أنْ ننظُرَ في أيِّ شَيءٍ يَفُوتُ ذَلِكَ الجزءُ والوقْتُ، هَلْ فِي طاعَةٍ أو في مَعْصِيَةٍ أو في مُبَاحٍ؟ فعلَينَا أَنْ نُرَتِّبَ لَنَا وَظَائِفَ وأَعْمَالَاً في الليلِ والنَّهَارِ، وأَنْ نُعَيِّنَ لِكُلِّ وقتٍ شُغْلاً لَا يَتَعَدَّاهُ، ولا نَشتَغِلَ فيه بِسِوَاهُ، فبذلك تظهرُ لنَا البركَةُ في الأوقَاتِ.

  فالوقتُ عِبارَةٌ عن العُمْرِ، والعُمْرُ هو رأسُ المالِ، وعليهِ مَدَارُ تِجَارَتِنَا مع رَبِّنَا، وبهِ وصولُنا إلى نَعِيمِ الأَبَدِ، فَكُلُّ نَفَسٍ من أنفَاسِنَا جَوهَرٌ لا تُقَدَّرُ قِيمَتُهُ؛ إذ لا بَدَلَ لَهُ،