23 - حول حادثة الإسراء والمعراج
٢٣ - حول حادثة الإسراء والمعراج
الخطبة الأولى
  
  الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناءُ بما قَدَّم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، جَمَّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أَمَدُها، وتفاوت عن الإدراك أَبَدُها.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاصَ تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها، الممتنعُ من الأبصار رؤيتُه، ومن الألسن صفتُه، ومن الأوهام كيفيتُه.
  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، ابتعثه إتماماً لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير رحمته، فرأى الأمم فِرَقَاً في أديانها، عُكُفَاً على نيرانها، عَابِدَةً لأوثانها، مُنكرَةً لله مع عرفانها، فأنار الله بمحمد ÷ ظُلَمَهَا، وكشف عن القلوب بُهمَها، وجلى عن الأبصار غُمَمَها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين.
  أما بعد أيها المؤمنون: من مناسبات العظيمة في شهر رجب، حادثةُ الإسراء والمعراج، المعجزةُ الخالدةُ التي تحدث عنها القرآن الكريم، في سورتين من سور القرآن، ولقد اشتملت هذه الحادثة على رحلتين عظيمتين، وآيتين كبيرتين، ومعجزتين خالدتين، كل واحدة مستقلة بالإعجاز، وفيها آيات ودلائل واضحة لأهل العقول.
  فأما الرحلة الأولى: رحلة أرضية من مكة المكرمة من حجر إسماعيل من الكعبة المشرفة، إلى أرض فلسطين إلى بيت المقدس القبلة الأولى، وكان ذلك بعد العشاء،