15 - حول العقل وأهميته
الخطبة الثانية
  
  الحمد لله الذي ذي المنن التي لا يحصيها العادون، والنعم التي لا يجازيها المجتهدون، والصنائع التي لا يستطيع دفعها الجاحدون، والدلائل التي يستبصر بنورها الموجودون، أحمده جاهراً بحمده، شاكراً لرفده، حمد موفق لرشده، وأثق بوعده، له الشكرُ الدائمُ، والأمرُ اللازم.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى وسلم عليه وعلى آله الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً.
  أيها المؤمنون: عندنا قصور كبير في مفهوم العقل والذكاء، فالذكي عندنا وفي مفهومنا، هو البصير بجمع الدنيا والحريص عليها، والمحب لها، والمتفنن في ادخارها وجمعها، فنصفه بالحاذق، وبالذكي، وبالرجل الحكيم، وإن أخل بدينه، وقصر في أمر آخرته، حتى وإن أضاع الصلوات، وترك الجمع والجماعات، ومنع الزكوات، وهجر كتاب الله الليالي والأيام المتتابعات، فهذا عندنا رجل حكيم، وذكي ألمعي.
  بينما إذا رأينا رجلاً لا يبالي بالدنيا، ولا يهتم بشؤونها، ولا يحرص على جمعها، وهو مكبٌّ على الطاعة، منشغل بالعبادة، حريص على الصلوات، مهتم يالجمع والجماعات، عاكف على تلاوة السور والآيات، ملازم لجمع العلوم، وصفناه بالأوصاف التي لا تليق به، فهو عندنا وفي مفهومنا، إنسان مضيع، وأبلهٌ، وقليل التدبير.
  ولكن إذا رجعنا إلى المفهوم الديني الصحيح وجدنا أن الرجل اللبيب والعاقل هو الحريص على الآخرة، المؤثرُ لها على الدنيا، كما روي عن النبي ÷ أنه قال لأصحابه يوماً «مَن أكَيسُ الناس» يعني أذكاهُم وأحذقَهم وأفطنَهم، فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال ÷ «أكثركم ذكراً للموت، وأشدكم استعداداً له».
  والنبي ÷ قال: «إن لله خواص يسكنهم الرفيع من الجنة كانوا أعقل الناس، قال: قلنا يا رسول الله وكيف كانوا أعقل الناس؟ قال: كانت نهمتهم المسابقة إلى ربهم، والمسارعة إلى ما يرضيه، وزهدوا في الدنيا وفضولها ورياستها ونعيمها، وهانت عليهم فصبروا قليلاً واستراحوا طويلاً».