روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

36 - موعظة بليغة في الموت

صفحة 297 - الجزء 2

٣٦ - موعظة بليغة في الموت

الخطبة الأولى

  

  الحمد لله المحيي المميت المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، صادق الوعد والوعيد، الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو الغفور الودود، له الحمد الدائم الذي لا ينفد ولا يبيد.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، ويميت ويحيي وهو حي دائم لا يموت، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن.

  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي عمل لما بعد الموت، وحذره أمته من الغفلة قبل الفوت، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الهداة الميامين.

  أما بعد: أيها المؤمنون: كتب الله الموت وقدره على خلقه، وجعله موعظة بالغة لهم، فهو أكبر واعظ وعظنا الله به، فما من مخلوق إلا والموت نازل به، وقاطع لأمله، ولو امتد أجله، وطال عمره، كما قال الله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ٥٧}⁣[العنكبوت]، وكما قال تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ١٨٥}⁣[آل عمران]، وتفرد تبارك وتعالى بالديمومة والبقاء، كما قال {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ٢٦ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ٢٧}⁣[الرحمن]، فلله الخلود والدوام والبقاء، وهو تعالى المنزه عن الموت والفناء.

  فلو جعل الله الخلود لأحد من خلقه لكان ذلك لملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين، ولكان أولاهم بذلك خاتم النبيين محمد بن عبد الله الصادق الأمين ÷، الذي خاطبه الله بقوله {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ٣٠}⁣[الزمر].

  فالموت حتم لامحيص عنه، ولازم لا مفر منه، يصل إلينا في كل مكان، في بطون الأودية، أو في رؤوس الجبال، فوق الهواء، أو تحت الماء، لا ينجو منه ملائكة السماء، ولا الجن في الهواء، ولا إنسان ولا حيوان، قال تعالى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}⁣[النساء: ٧٨].