4 - حول مقتل الحسين
الخطبة الثانية
  
  الحمد لله رب العالمين، الذي أكرمنا بأهل بيت النبوة، وجعلهم أدلة على الحق وقدوة، ورفع بهم منار الدين وأعلاه، وأشاد بهم بنيان الهدى وقواه، وأزال بهم ظلمات الجهل وعشاوته، ومحى بهم ضلالات الباطل وغشاوته.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا عديل، ولا خلف لقوله ولا تبديل.
  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين المأمون، بلغ الرسالة كما أمره الملك الجليل، وأدى الأمانة بكل ما يمكنه من التبليغ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
  أما بعد: أيها المؤمنون: وقعة الحسين # يستفيد منها المسلم دروساً وعبراً ومواقف تضيء له الدرب، وتنور له الطريق، فمنها يتعلم الإنسان دروساً في الصبر والتضحية والفداء، ودروساً في الوفاء والولاء، ودروساً في الحذر من المنافقين، ودروساً في تمييز الصادق من الكاذب والمخلص من غيره، ولنأخذ على ذلك أمثلة:
  أما الصبر والتضحية والفداء فكثيرة: منها: موقف هانئ بن عروة المرادي الذي استخفى في بيته مسلم بن عقيل فلما علم عبيد الله بن زياد بوجوده عنده طلبه إليه، وسأله عن مسلم فرفض أن يخبره بمكانه أو يسلمه إليه، فضربه بالقضيب في وجهه وأنفه وجبينه حتى أدماه وهشم لحمه وكسر عظم أنفه، وقال مقالته المشهورة التي لا يزال صداها يتردد، وصراخها يدوي من ذلك اليوم وإلى أن تقوم الساعة: والله لو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفته عنه، ثم أمر به إلى السجن، إلى أن جاء اليوم الذي أخرج فيه إلى السوق وضربت عنقه بين الناس.
  وأما في الوفاء والولاء: فقد ضرب أصحاب الحسين # أروع الأمثلة التي سجلها التاريخ، في الوفاء والولاء المطلق لأهل بيت النبوة، فعلى سبيل المثال قيس بن مسهر الصيداوي أو عبد الله بن يقطر أخو الحسين من الرضاع، فإن الحسين #