روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

37 - غزوة الخندق (الأحزاب)

صفحة 333 - الجزء 1

الخطبة الثانية

  

  الحمد لله رب الأرباب، هازم الأحزاب، منزل الكتاب، جامع الناس ليوم الحساب.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

  أما بعد: أيها المؤمنون: فهذه هي غزوة الخندق التي سجلها الله تعالى في القرآن الكريم، وسجل أحداثها ليتلوها المسلمون، ويتحدثوا عنها، ويعلموا تفاصيلها، ويستفيدوا من واقعها في شتى المجالات، فلنذكر أيها الأحبة المؤمنون: بعض الدروس التي نتعلمها ونستفيدها من هذه الغزوة الكبرى، فهناك العبر والعظات التي لابد أن نعرفها:

  فمن ذلك: أن المسلمين عليهم أن يعلموا تأصل العداوة بين المسلمين والمشركين، وبين المسلمين واليهود، وأنها عداوة قديمة، وليست حديثة يومها، أو قريبة العهد والسبب، فعداوة اليهود والمشركين شديدة، وقواعدها أكيدة، ولا يمكن في يوم من الأيام أن تنقلب تلك العداوة إلى ولاء ومحبة، ما دام المشرك على شركه واليهودي على يهودته، إلا أن يفيؤا إلى الله ويرجعوا إلى دينه، كما قال الله تعالى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}⁣[المائدة: ٨٢]، فمن لم يؤمن بالله ورسوله ويدخل في دين فهو عدو مبين، لا تؤمن غائلته، وتصدق نصيحته، فعلى المسلم أن يعرف عدوه ليحذره، وأن يتخذ الأسوة والقدوة من أنبياء الله وأولياءه، كما قال الله تعالى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}⁣[الممتحنة: ٤].

  ومن ذلك: أن المسلم لابد أن يعرف ويعلم أن أهل الباطل وإن تفرقت كلمتهم، وتعددت فرقهم، وتعادوا فيما بينهم، وتقاتلوا وتناحروا، فإن اشتراكهم في عداوة الحق تجمعهم، وتجعلهم يتناسون كل خلاف يدور بينهم، ويدفنون كل مشكلة أو