روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

9 - قسوة القلوب وعلاجها

صفحة 88 - الجزء 2

الخطبة الثانية

  

  الحمدلله ذي المجد والثناء، والفضل والعطاء، نحمده على نعمه، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين.

  أما بعد أيها المؤمنون: عرفنا في الخطبة الأولى أعراض وعلامات قسوة القلب، فلنأت لمعرفة الأسباب التي تجعل القلبَ قاسياً، الأمور التي تسبب في صلابة القلب وعدم تقبله للطاعة، وعدم خشوعه لمولاه.

  أيها الإخوة الكرام: هناك عوامل أساسية، تسبب في قساوة القلب إذا عرفناها، تمكنا من علاجها، لأن الداء لا يمكن علاجه إلا بعد تشخيصه ومعرفة أسبابه، ومن تلك الأمور الموجبة للقساوة القلبية ما يلي:

  الأول: الغفلة: فهي داءٌ عضال، ومرض وبيل، وآفةٌ خطيرة، إذا استحوذت الغفلةُ على القلبِ، وتمكنت من النفسِ، واستأثرت على الجوراح والأعضاء، أدى ذلك إلى انغلاق أبواب الهداية، وعدم وصول المواعظ والعبر إلى القلب، وقد ذكر الله تعالى أن الغفلة هي سبب في الطبع على القلوب، فقال تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ١٠٨}⁣[النحل]، ومن تأمل حال الخلق وجدهم كلهم إلا القليل ممن غفلت قلوبهم عن ذكر الله تعالى، واتبعوا أهواءهم، وفرطوا فيما ينفعهم ويعود بصلاحهم، واشتغلوا بما لا ينفعهم بل يعود بضررهم عاجلاً وآجلاً، فلهذا وقع الناس في الغفلة المؤدية إلى الطبع المفضي إلى القساوة، وقد أخبرنا الله تعالى عن أصحاب الغفلة أنهم أصحاب قلوب قاسية لا تَرِقُّ ولا تَلِين، ولا تنتفع بشيء من الموعظة، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، لهم أعين يشاهدون بها ظواهر الأشياء، ولكنهم لا يبصرون بها حقائق الأمور، ولا يميزون بها بين المنافع والمضار، ولهم آذان يسمعون بها الباطل كالكذب والغناء والفحش والغيبة والنميمة، ولا ينتفعون بها في سماع الحق من