20 - الأمانة
الخطبة الثانية
  
  الحمد لله حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، المبعوث إلى الثقلين أجمعين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين.
  أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: الأمانة في المعاملات: قوة وكفاءة في حفظ الحقوق، كما قال يوسف # لما قال له مَلِكُ مصر {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ٥٤}[يوسف]، قال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ٥٥}[يوسف]، فلم يستند يوسف # في استحقاقه منصب الولاية المالية إلا إلى أنه يحسن الحفظ والرعاية للمال من الضياع والتفريط والإهمال، وإلى علمه بإدارة شؤون المال والتصرف فيه، وأين يضعه وفيما يضعه، ومتى يمنعه وممن يمنعه، وهذا يعني الكفاءة والخبرة، وكما قالت ابنة شعيب لأبيها لما رأت من موسى القوة على حفظ الأمانة: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ٢٦}[القصص]، فقد علمت ابنة شعيب قوة نبي الله موسى من تمكنه لوحده من نزع الماء من البئر بدون مساعدة أحد، وعلمت أمانته من عفته ونزاهته مع فقره وشدة حاجته، حيث لم ينظر إليه بسوء، ولم يأخذ من أغنامها شيئاً مقابل عمله، فالأمانة إذاً تعني وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، أي أن نختار للأعمال أحسن الناس قيامًا بها، وأكملهم في أدائها.
  فالأمانة تعني: أن يحرص الرجل على أداء عمله المنوط به كاملاً، وأن يحسن فيه تمام الإحسان بدون تقصير ولا إهمال ولاتوانٍ، بل بإخلاص وجد واجتهاد، لأن استهانة الفرد بما كلف به هو من أسباب انتشار الفساد في كيان الأمة ومن أسباب تداعيه وتطوره.
  وخيانة الأعمال تتفاوت إثمًا ونكراً، وأشدها شناعة، خيانة الدين، وخيانة المسلمين، وخيانة البلدان والمجتمعات.