2 - العبادة وأقسامها
٢ - العبادة وأقسامها
الخطبة الأولى
  
  الحمدلله خالق العباد، ساطح المهاد، مسيل النجاد، رافع السبع الشداد بغير عماد، مثبت الأرض بالأوتاد، المنعم بسوابغ النعم التي لا تحد بتعداد، الذي لا يعجزه كثرةُ الإنفاق، ولا يُمسك خشيةَ الإملاق، ولا يَنْقُصُهُ إدرارُ الأرزاق، ولا يُدرك بأُناسِيِّ الأحداق، أحمده على جزيل إحسانه، وتواتر امتنانه، وأعوذ به من حلول خذلانه، وأستهديه بنور برهانه، وأؤمن به حق إيمانه.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحت له السماواتُ وأكنافُها، والأرض وأطرافُها، والجبال وأعرافُها، أقرّ له بالعبودية كلُّ شيء خاشعاً، معترفاً طائعاً، مستجيباً لدعوته خاضعاً، متضرعاً لمشيئته متواضعاً، له الملك الذي لا نفاد لمدته، ولا انقضاء لعدته.
  وأشهد أن محمداً عبده الكريم، ورسوله الطاهر المعصوم، بعثه والناس في غمرة الضلالة ساهون، وفي غِرة الجهالة لاهون، لا يقولون صدقاً، ولا يستعملون حقاً، فقام ~ وآله فيهم مُجِدَّاً في إنذاره، مرشداً لأنواره، بعزم ثاقب، وحكم واجب، حتى تألق شهابُ الإيمان، وتفرق حزب الشيطان، وأعز اللهُ جنده، وعُبِدَ وحدَه، صلى الله عليه وعلى آله وأقربِيه، وذوي رحمه وموالِيه، صلاة جليلة جزيلة، موصولة مقبولة، لا انقطاع لمزيدها، ولا اتضاع لمَشِيدِها، ولا امتناع لصعودِها، تنتهي إلى مقر أرواحهم، ومقام فلاحهم.
  أما بعد: أيها المؤمنون: يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ٢١}[البقرة]، ويقول تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ٥٩}[الأعراف] وقال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ٥}[البينة] وما أرسل الله نبياً إلا أمر قومه بعبادة الله تعالى، فعبادة الله هي