39 - الحكمة من شرعية الحج
الخطبة الثانية
  
  الحمد لله، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا وَفَّقَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ، وَذَادَ عَنْهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَنَسْأَلُهُ لِمِنَّتِهِ تَمَاماً، وَ بِحَبْلِهِ اعْتِصَاماً.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ، وَرَسُولُهُ الصَّفِيُّ، وَأَمِينُهُ الرَّضِيُّ، أرْسَلَهُ بِوُجُوبِ الْحُجَجِ، وَظُهُورِ الْفَلَجِ، وَإِيضَاحِ الْمَنْهَجِ، فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ صَادِعاً بِهَا، وَحَمَلَ عَلَى الْمَحَجَّةِ دَالًّا عَلَيْهَا، وَأَقَامَ أَعْلَامَ الِاهْتِدَاءِ، وَمَنَارَ الضِّيَاءِ، وَجَعَلَ أَمْرَاسَ الْإِسْلَامِ مَتِينَةً وَعُرَى الْإِيمَانِ وَثِيقَةً، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين.
  أما بعد: أيها المؤمنون: نكمل معكم بعض الحكمة التشريعية في الحج.
  ومن الحج يتعلم المسلم كيف يربي نفسه ويروضها على التسليم لله؟
  فعندما يقف الإنسان متأملاً في أعمال الحج ومناسكه، وكيفية القيام بها، كيف شرع الله تعالى الطواف على أحجار مبنية، والسعي بين جبلين صغيرين، والوقوف على أرض من وقت كذا إلى وقت كذا، والمبيت على جبال وصخور وفي شعاب وبين مسائل وديان من وقت كذا إلى كذا، ولزوم الخروج والإنتقال من مكان إلى آخر في وقت كذا، ورمي موضع أو مواضع من الأرض بأحجار معدودة على صفة معروفة في أوقات مخصوصة، يقف مبهوتاً متحيراً في هذه الحكمة التشريعية، التي من خلالها يعلمنا الله تعالى كيف نسلم له، ولا نعترض على حكمته، ولا نتدخل في شؤون بريته، وإنما حالنا هو التسليم والإنقياد والخضوع والإذعان، وترك الإعتراض والتشكيك والدخول فيما لا طريق لنا إليه، ولا سبيل إلى معرفته، وهذا تأديب وترويض للنفس على القبول ممن علمنا حكمته، وحسن أفعاله.