روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

9 - قسوة القلوب وعلاجها

صفحة 83 - الجزء 2

٩ - قسوة القلوب وعلاجها

الخطبة الأولى

  

  الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ لَا مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ وَ لَا مَأْيُوسٍ مِنْ مَغْفِرَتِهِ وَ لَا مُسْتَنْكَفٍ عَنْ عِبَادَتِهِ الَّذِي لَا تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ وَ لَا تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ.

  وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً ÷ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، شَهَادَتَيْنِ تُصْعِدَانِ الْقَوْلَ وَتَرْفَعَانِ الْعَمَلَ، لَا يَخِفُّ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيهِ، وَلَا يَثْقُلُ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ عَنْهُ.

  أما بعد أيها المؤمنون: فإن القَلْبَ أَشْرَفُ عُضوٍ في الإِنْسَانِ، جَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى وِعَاءً قَابِلاً لما تَمْلَؤُهُ به، فَإِمَّا أنْ تَجْعَلَهُ وِعَاءً للخَيرِ وَالرَّشَادِ، فَيَكُونَ ذَاكِرًا للهِ عَامِلاً لَهُ، سَاعِيًا إِلَيهِ، فَيكُونَ قَائِدًا للجَوَارِحِ وَالأَرْكَانِ إلى كُلِّ صَوَابٍ وخَيْرٍ، أَوْ تجعَلَهُ وعَاءً للشَّرِّ وَالفَسَادِ، غَافِلاً عَنِ اللهِ، عَامِلاً للشَّيطَانِ، سَاعِيًا إِلَيهِ؛ فيكُونَ قَائِدَاً للجوارحِ إلى كُلِّ ضَلَالٍ وشرٍّ.

  فَإِنَّ للقُلُوبِ حَيَاةٌ كَحَيَاةِ الأجْسَادِ، بَلْ هي أَعْظَمُ مِنْهَا وَأَجْمَلُ، وحَاجةُ الإنسانِ إليها أكثرُ، وَلَهَا أَمْرَاضٌ كَأَمْرَاضِ الجسَدِ، بَلْ هي أَعْتَى مِنْهَا وَأَقْسَى، وَيَتَضَرَّرُ الإنسانُ منها أكثرَ، وَعَلَى قَدْرِ حَيَاةِ القَلْبِ تَكُونُ حَيَاةُ الجَسَدِ وَالرُّوحِ، وَتَصْلُحُ الأَعْمَالُ، وَتُنَالُ الدَّرَجَاتُ، وَتُغْفَرُ الخَطِيئَاتُ، وَبِقَدْرِ فَسَادِ القَلْبِ وَاسْتِحْكَامِ آفَاتِهِ وأَمْرَاضِهِ تَكُونُ عَاهَةُ الجَسَدِ وَفَسَادُه.

  وإِنَّ القلبَ يَمْرضُ كما يمرضُ البدنُ، ويَصْدَأُ كما يَصْدَأُ الحديدُ، ويَجوعُ كما يجوعُ البطنُ، وأمراضُ القلبِ كثيرةٌ، وأنواعُها مُتَعَدِّدَة، والأَمْرَاضُ القلبيةُ تختلفُ وتتنوعُ بحسبِ نوعِ المؤثراتِ التي تحيط بها، فكلَّما قَوِيَت المؤثراتُ على القلب قوي المرضُ واشتَدَّ، ويَتَدَرَّجُ المرَضُ فيه ويَزْدَادُ حتى يُطْمَسَ ويُقْفَلَ ويُطبَعَ عليه، ويزيغَ عن الحق، وعندها يكون القلبُ قد وصلَ إلى مرحلة خطيرة هي مرحلة الموت القلبي، التي هي أسوأُ وأخطرُ