روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

12 - خطبة حول العلم وفضله

صفحة 118 - الجزء 2

الخطبة الثانية

  

  الحمد الله نحمدُهُ ونستعينُه، ونؤمنُ به، ونتوكلُ عليه، حمداً يكون أرضى الحمد له، وأتم الحمد لديه.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً، فرداً صمداً، ليس له ند ولا شبيه.

  وأشهد أن محمداً عبدُه المصطفى، ورسولُه المجتبى، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الهداة.

  أما بعد: أيها المؤمنون: العلم شيء عظيم لا يقاس به شيء من أمور الدنيا، لا يقاس به ملك ولا مال ولا سلطان، ولا جنود ولا أعوان، فهو الكنز الباقي الذي يبقى بعد فناء أهله، كما روي عن جعفرِ الصادق # عن آبائه عن النبي ÷ أنه قال: «طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم، فاطلبوا العلمَ في مَظَانِّه، واقتبسوه من أهله، فإنَّ تَعَلُّمَهُ لله تعالى حسنةٌ، وطلبَه عبادةٌ، والمذاكرةَ به تسبيحٌ، والعملَ به جهادٌ، وتعليمَه من لا يَعْلَمُهُ صدقةٌ، وبذلَهُ لأهله قربةٌ إلى الله تعالى، لأنه معالمُ الحلالِ والحرامِ، ومنارُ سبيلِ الجنة، والمُؤْنِسُ في الوَحْشَة، والصاحبُ في الغربةِ والوحدة، والمُحَدِّثُ في الخَلْوَة، والدليلُ على السراء والضراء، والسلاحُ على الأعداء، والزَّينُ عند الأخلاء، يرفعُ اللهُ به أقواماً فيجعلهم في الخير قادةً، تُقْتَبَسُ آثارُهم، ويُقتدَى بفعالِهم، ويُنْتَهَى إلى آرائهم، ترغبُ الملائكةُ في خُلَّتِهم - أي صحبتهم -، وبأجنحتها تمسَحُهم، وفي صلواتها تُبارِكُ عليهم، يستغفرُ لهم كلُّ رَطْبٍ ويَابس، حتى حيتانِ البحر وهوامِّه، وسباعِ البَرِّ وأنعامِه، إنَّ العلمَ حياةُ القلوب من الجهل، وضياءُ الأبصار من الظلمة، وقوةُ الأبدان من الضَّعفِ، يَبلُغُ بالعبد منازلَ الأخيار، ومجالسَ الأبرار، والدرجاتِ العلا في الآخرة والأولى، الذكرُ فيه يعدلُ بالصيام، ومدارستُه بالقيام، به يطاعُ الربُّ ويُعْبَدُ، وبه تُوصَلُ الأرحامُ، ويعرفُ الحلالُ والحرام، والعلمُ إمامٌ والعملُ تابِعُهُ، يُلْهَمُهُ السعداءُ، ويُحْرَمُهُ الأشقياء، فطوبى لمن لم يُحْرِمْهُ اللهُ من حَظِّه».