روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

31 - حول التحذير من سوء الظن

صفحة 257 - الجزء 2

الخطبة الثانية

  

  الحمد لله على حلمه بعد علمه، والحمد لله على عفوه بعد قدرته، والحمد لله على طول أنآته في غضبه، وهو قادر على ما يريد.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله المنتخب المصطفى للرسالة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين.

  أما بعد: أيها المؤمنون: قد يسيء الإنسان الظن، ولكن يسميه باسم آخر، ويقول أنا أحترز أو آخذ حذري، أو أنا أتحرى لديني، وهذا إنما يخدع نفسه، فالفرق بين الاحتراز والتحري وسوء الظن واضح:

  فإن المحترز هو الذي يتوقع الشر أن ينزل به، فهو مع التأهب والاستعداد وأخذ الأسباب يحاول أن ينجو من المكروه؛ فهو كالمتسلح المتدرع الذي قد تأهب للقاء عدوه وأعد له عدته، فَهَمُّه في تهيئة أسباب النجاة، ومحاربة عدوه قد أشغلته عن سوء الظن به.

  وأما التحري: فلا يكون إلا مع الالتباس، وتعارض الأدلة وعدم حصول العلم واليقين، فيأخذ بأقوى الأمارات في الأمر، فهذا هو التحري، وأين هذا من سوء الظن بالمؤمنين.

  وأما سوء الظن: فهو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس حتى يطفح على لسانه وجوارحه؛ فهم معه أبداً في الهمز واللمز والطعن والعيب والبغض للمؤمنين والصالحين، يتجنب الصالحين ويلحقهم الأذى، مليء بالغش والدغل والبغض.

  فبدلاً من الاشتغال بعيوب المؤمنين، وإساءة الظنون بهم الأولى هو حسن الظن، وأن نشتغل بعيوبنا.

  أخي المؤمن: إن حسن الظن من شعب الإيمان، والعاقل يُحسِنُ الظنَّ بإخوانه المؤمنين، وإن انفرد بهمومه وأحزانه، كما أن الجاهل يسيء الظن بإخوانه، ولا يفكر في جناياته وأشجانه.