روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

1 - في أول السنة الهجرية حول محاسبة النفس

صفحة 17 - الجزء 1

الخطبة الثانية

  

  الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُه، ونؤمنُ بهِ، ونتوكلُ عليهِ، حَمْدَاً يكون أرضى الحمدِ لَهُ، وَأَتَمَّ الحمدِ لَدَيهِ.

  وأشهدُ أَن لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِلَهَاً وَاحِدَاً، فَرْدَاً صَمَدَاً، لَيسَ لَهُ نِدٌّ ولَا شَبِيهٌ.

  وأشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدَاً عَبْدُهُ المصطَفَى، ورَسُولُه المجتبى، صلواتُ اللهِ وسَلَامُهُ عَلَيهِ وعلَى آلهِ الهُدَاةِ لِدِينهِ

  أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا المُؤمِنُونَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ١٨}⁣[الحشر]، فَقَدْ أَمرَنا اللهُ تعالى بِأَنَّ نُحاسبَ أنفسَنا، فإنَّ المؤمنَ إِذَا أمعنَ النَّظَرَ في الآيةِ الكريمةِ، وتَأَمَّلَهَا تَأمُّلَاً صَحِيحَاً، كانَ ذَلِكَ كَافِيَاً بَأَنْ يُوقِظَ الإنسانَ منْ غَفْلَتِه، ويُنَبِّهَهُ على مَوَاضِعِ الضعفِ عِندَه، وأَمَاكِنِ النقصِ فيهِ، ومواضع التقصير لديهِ، لأَنَّ التَّأمُّلَ والتفكُّرَ يفتحُ أمامَ الإنسانِ صَفحةَ أعمالِه اليَومِيَّةِ، بل صفحاتِ حياتِهِ كُلِّهَا، ويمدُّ ببصرِه في سُطُورِهَا كُلّهَا لِيَتَأمّلهَا، وينظرَ رصيدَ حِسَابِهِ مُجْمَلَاً وَتَفْصِيلَاً، لِيَنْظُرَ مَاذَا قَدَّمَ لِغَدِهِ في صفحاتِ هذهِ الحياةِ، كَيفَمَا أَسْلَفَ مِن خَيرٍ أَوْ شَرٍّ، فإنْ كَانَ قدْ تَعِبَ واجتَهَدَ في الخيرِ فَهُوَ حَاثٌ له على الإستمرَارِ، وإنْ كَانَ في الشَّرِّ فَهو تَنْبِيهٌ له على التوبةِ وتركِ الإصرار، فَإذَا كانَ رَصيدُهُ من الخيرِ قَِليلَاً كَثَّرَهُ، وإذَا كانَ رصيدُه من الشَّرِّ كَثيرَاً أَصلَحَهُ؟! فِفي هذِهِ الآيةِ لَمْسَةٌ إيمانيةٌ لا يَنَامُ بعدَها القلبُ السليمُ أَبَدَاً، ولا يَكُفُّ عن النظَرِ وَالمحَاسَبَةِ.

  وقَدْ جَعلَ اللهُ المحاسبةَ من صفاتِ المؤمنين حيثُ يقولُ في وَصفِ المؤمنين الذِينَ يُحَاسِبونَ أنفُسَهُم عندَ الزَّلّةِ والتقصيرِ، ويَرجعُون سَريعَاً عمّا وَقَعُوا فيه من الخطَأ: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ٢٠١}⁣[الأعراف]، وكما روي