1 - في أول السنة الهجرية حول محاسبة النفس
١ - في أول السنة الهجرية حول محاسبة النفس
الخطبة الأولى
  
  الحَمْدُ للهِ أَهْلِ الحَمْدِ والثَّنَاءِ، وَرَبِّ الأَرْضِ والسَّمَاءِ، وخَالِقِ الخَلْقِ وَالأَنَامِ، وَمُدَبِّرُ اللَّيَالِي والأَيَّامِ، ومقدِّرِ السنينَ والأعوامَ، الَّذِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ رَحْمَتُهِ، وَأَبْدَعْتْ كُلَّ خَلقٍ حِكْمَتُهُ، وَقَهَرَ كُلَّ ذِي سُلْطَانٍ سُلْطَانُهُ، وَبَهَرَ كُلَّ بُرْهَانٍ بُرْهَانُهُ.
  وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لًا شَرِيْكَ لَهُ، شَهَادَةً أَوْجَبَهَا حُكْمُ الْمِلَّةِ، وَكَلِمَةً صَدَّقَهَا وَاضِحُ الأَدِلَّةِ.
  وأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً ÷ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الأَمِينُ الْمَيْمُونُ، أَرْسَلَهُ هَادِيَاً لِخَلْقِهِ، وَدَاعِيَاً إِلَى حَقِّهِ، فَأَدَّى الرِّسَالَةَ، وَأَقَامَ الدَّلَالَةَ، وَدَعَا إِلَى دَارِ النَّعِيمِ، وَهَدَى إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ الأَبْرَارِ، وَعِتْرَتِهِ الأَطْهَارِ.
  أَمَّا بعدُ: أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
  هَا نَحْنُ نَعيشُ في أولِ جُمْعَةٍ مِن هَذَا العامِ الجدِيدِ، وقَبَلَ أيَّامٍ وَدَّعْنَا عَامَاً كَامِلاً حينَ دَنَى رَحِيلُهُ، وهَا نحنُ نبدأُ في عامٍ جَدِيد، فَكَأَنَّنَا بِخُرُوجِ عَامٍ ودُخُولِ آخرَ نَعْبُرُ جِسْرَاً أَو قُنْطُرَةً لِنَنْتَقِلَ مِن مَرحلَةٍ إلى أُخْرَى، ومِن مَنطَقَةٍ إلى مَنطَقَةٍ، فنَحنُ بَينَ خَطْوَتَينِ، خطوةٍ نُودِّعُ بِها، وَأُخرَى نَستَقْبِلُ بِهَا، فهَا نَحنُ نَقِفُ مُوَدَّعِينَ وَمُسْتَقْبِلِينَ، مُوَدِّعِينَ عَامَاً كَامِلاً قَد أَودعَ كُلُّ واحدٍ مِنَّا فِيهِ مَا أَوْدَعَ مِنْ خَيرٍ أَوْ شَرِّ، فَخزَائِنُ بعضِنَا مَلَآئَ بِمَا هُو لَهُ، وخَزِائِنُ بعضِنَا مَلَآئ بما هُو عَلَيهِ، كَمَا يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ٤٤}[النور]، وكَمَا يَقُولُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}[آل عمران: ١٤٠].
  فهَا هُو عَامُنَا الماضِي قَدْ طَوَى بِسَاطَ أَيَّامِهِ، وَقَوِّضَ أرَكَانَ خِيَامِهِ، وَشَدَّ رِحَالَهُ، عَامٌ كَامِلٌ مِنْ أَعمارِنَا، تَصَرَّمَتْ أَيَّامُهُ، وَتَفَرَّقَتْ أَوْصَالُهُ، وقَدْ حَوَى فِي ثَنَايَاهُ حِكَمَاً