روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

39 - حول عذاب القبر

صفحة 320 - الجزء 2

٣٩ - حول عذاب القبر

الخطبة الأولى

  

  الحمد لله المحيي المميت المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، صادق الوعد والوعيد، الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو الغفور الودود، له الحمد دائماً لا ينفد ولا يبيد، بل يتضاعف ويزيد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، ويميت ويحيي وهو حي دائم لا يموت، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن.

  وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، الذي عمل لما بعد الموت، وحذَّر أمته من الغفلة قبل الفوت، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الهداة الميامين.

  أما بعد: أيها المؤمنون: الله تعالى جعل الدنيا داراً للتكليف والأعمال، تُبلغُ فيها الآمال، حتى تقطعها الآجال، فمن عمل صالحاً قدم عليه غداً، وجوزي عليه جزاء المحسنين، وأثيب عليه ثواب المطيعين، ومن عمل سيئاً قدم عليه غداً، وحوسب عليه حساب المسيئين، وعوقب عليه عقاب العاصين، فاللبيب العاقل إذا علم أنه سيقدم على أمرين لابد من أحدهما، ولا محيص عنهما، ينتهز فرصة الإستعداد للأمر الذي يعود عليه بالمنفعة، ويجد ويجتهد في الاحتراز والاحتراس والابتعاد عن الأمر الذي يجلب له المضرة، ويعود عليه بالوبال، هذا في الأمور المتوقعة المظنونة، أما في الأمور المعلومة الوقوع، المتحققة الحصول فإنه يكون أكثرَ حرصاً، وأشدَّ احترازاً، فالإنسانُ لا شك مُقدِمٌ على الموت، وليس عنه مناص، وبعد الموت هو صائر إلى خير لا يكون بعده شرٌّ أبداً، أو إلى شرٍّ لا يكون بعده خيرٌ أبداً، وقد أخبر الله تعالى عن حال المقصرين إذا جاءهم الموت، وحكى كيف يندمون على تقصيرهم حين لا ينفع الندم، كما قال تعالى {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ٩٩ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ