روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

11 - حول غزوة خيبر والدروس منها

صفحة 100 - الجزء 1

الخطبة الثانية

  

  الحمد لله رب الأرباب، هازم الأحزاب، منزل الكتاب، جامع الناس ليوم الحساب.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

  أما بعد: أيها المؤمنون: كان فتح خيبر فتحاً عظيماً على المسلمين، فقد قذف الله تعالى بفتحه في قلوب بقية اليهود رعباً وخوفاً شديداً، فقد ترتب عليه فتوحات أخرى، فما إن علم بقية اليهود في فدك ووادي القرى وتيماء بما فتح الله على نبيه من خيبر حتى سُقط في أيديهم، وحصل من أمرهم ما يلي: -

  أما يهود فدك (التي تبعد عن خيبر ١٢٠ كم شرقاً) فقد أجلوا عنها وهربوا منها، بلا خيل ولا ركاب خوفاً من النبي ÷، ولكن النبي ÷ أرجع لهم نصف الأرض على نفس الإتفاق بينه وبين أهل خيبر.

  وحاول يهود وادي القرى (١٠٠ كم غرب خيبر) قتال المسلمين عند عودتهم إلى المدينة، ونشبت معركة استمرت إلى المساء، وفي اليوم التالي نشب القتال حتى استسلم اليهود بنفس شروط خيبر.

  وصالح يهود تيماء (تبعد عن خيبر ٢٠٠ كم تقريباً شمال خيبر) بنفس صلح أهل خيبر.

  لقد كانت غزوة خيبر وما ترتب عليها من الوقائع التي حطم المسلمون من خلالها النفسية اليهودية، وأذاقوهم فيها مرارةَ الهزيمة، وصيروا طعم الحياة عندهم كالعلقم، يوم كان المسلمون أمةَ واحدة، يطبقون القرآن ويعملون بالسنة، يمتثلون قوله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ٧}⁣[محمد]، فتلتهبُ صدورُهم حماساً، وتمتلئ قلوبُهم يقيناً بوعد الله، فلا يخافُون اليهود، ولا مَنْ وراء اليهود، ويقرؤون قولَه تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ٢٣}⁣[المائدة]، فيتمسكون بعروة الله، ويمدُّون أعناقهم إلى فاطرِ السماواتِ والأرض، يستمطرُون النصرَ منه وحده دونَ غيره، ويقطعون ثقتهم في غير