29 - حول الرزق والحكمة فيه
٢٩ - حول الرزق والحكمة فيه
الخطبة الأولى
  
  الحمدلله الملك الحق، خالق الخلق، باسط الرزق، الذي لا يعجزه كثرة الإنفاق، ولا يمسك خشية الإملاق، ولا ينقصه إدرار الأرزاق، ولا يُدرك بأُناسِيِّ الأحداق، ولا يوصف بِمُضَامَّةٍ ولا افتراق، أحمده على جزيل إحسانه، وأعوذ به من حلول خذلانه، وأستهديه بنور برهانه، وأؤمن به حق إيمانه.
  وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً صادرةً عن محضِ اليقين، راغمةً لأنوف المعتدين، نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا، وَنَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا.
  وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ، وَالْعَلَمِ الْمَأْثُورِ، وَالْكِتَابِ الْمَسْطُورِ، وَالنُّورِ السَّاطِعِ، وَالضِّيَاءِ اللَّامِعِ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أعمدةِ الدين، وعصمةِ المسترشدين.
  أما بعد: أيها المؤمنون:
  نريد أن نتحدث في هذه الخطبة، وفي هذا اليوم الأزهر، عن مسألة هامة وخطيرة، يجهل الكثيرُ من الناس أمرها، ولا يفهم الكثير حقيقتها وأصلَها، وهي مسألة الرزق.
  فإن الله خلق الخلق وهو عالم بمصالحهم، مطلع على خفاياهم وسرائرهم، فقسم بينهم الأرزاق والمعاش، كما قسم بينهم الآجال فقال تعالى {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ٣٢}[الزخرف]، فهو تعالى الذي قدر الأقوات على وفق إرادته ومشيئته، وقسمها على حسب ابتلائه وامتحانه لخليقته، فقال تعالى {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ٥٨}[الذاريات]، وقال تعالى {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ٢٤}[سبأ].