36 - موعظة بليغة في الموت
الخطبة الثانية
  
  الحمد لله الذي تفرد بالبقاء، وقهر عباده بالموت والفناء، حمداً لا غاية له ولا انتهاء.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين.
  أما بعد أيها المؤمنون: لنا في أهل البيت المطهرين، والأئمة الهادين، أسوة حسنة، وقدوة طيبة مستحسنة، فقد كانوا يذكرون الموت على الدوام، حتى أقض مضاجعهم، وكدر معائشهم، وحثهم على الجد والإجتهاد في طاعة ربهم، فلنستمع إلى موعظة بليغة، وعبرة نافعة، فقد روي عن الإمام زين العابدين، وسيد الساجدين، علي بن الحسين سيد العابدين أنه كان يحتسب نفسه ويناجي ربه ويقول:
  يا نفسُ حتى متى إلى الدنيا غرورُكِ، وإلى عمارتِها ركونُكِ، أما اعتبَرْتِ بمن مضى من أسلافِكِ، ومَن وارتْهُ الأرض من آلَافِكِ، ومن فُجعتِ به من إخوانِكِ، ونُقِلَ إلى البِلى من أقرانِكِ.
  فَهُمْ في بُطونِ الأرضِ بعد ظُهُورِهَا ... مَحَاسِنُهُم فِيها بَوَالٍ دَوَاثِرُ
  خَلَت دُورُهُمْ منهم وأَقْوَتْ عِرَاصُهُم ... وسَاقَتْهُمُ نحو المنايا المَقَادِرُ
  وَخُلُّوا عَن الدُّنيا وما جَمَعُوا لَهَا ... وضَمَّتْهُمُ تحت التُّرابِ الحَفَائِرُ
  كم تخرمَتْ أيدي المنُونِ، من قُرُونٍ بعد قُرُونٍ، وكَمْ غَيَّرَت الأرضُ بِبَلَائِهَا، وغَيََّبتْ في تُرَابِهَا، مِمَّنْ عَاشَرْتَ مِن صُنُوفِ الناسِ، وشَيَّعْتَهُم إلى الأَرمَاسِ.
  وأنت على الدنيا مُكِبٌّ مُنَافِسٌ ... لِخُطَّابِها فِيها حَرِيصٌ مُكّاثِرُ
  على خَطَرٍ تُمسي وتُصبحُ لَاهِيَاً ... أتدري بماذا لو عَقَلْتَ تُخَاطِرُ
  وإِنَّ امرأ يَسعَى لِدُنْيَاهُ دَائِبَاً ... ويَذْهَلُ عن أُخرَاُه لَا شَكَّ خَاسِرُ