2 - العبادة وأقسامها
الخطبة الثانية
  
  الحمد لله وكفى، ولي الحمد وأهله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله.
  أما بعد أيها المؤمنون: يقول الله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ٥٧ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ٥٨}[الذاريات]، فالعبادة اسم جامع يشمل كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الإعتقادات والأقوال والأعمال، والعبادة معناها يرجع إلى الطاعة والإمتثال، فالذي لا يطيع سيده، ولا يمتثل أمر مولاه هو العبد المتمرد العاصي، فنحن لله عبيد وهو سيدنا ومولانا، ونحن له مملوكون وهو مالكنا، ونحن له مربوبون وهو ربنا، وهو المنعم علينا بالنعم التي لا تعد ولا تحصى.
  فهو الآمرُ ونحن المأمورون، وهو الناهي ونحن المنهيون، وهو المتصرف فينا كيف شاء، لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
  والعبودية لله شرف كبير، وفخر عظيم، وصف الله بها ملائكته وأنبيائه وخاصته، كما قال تعالى {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}[النساء: ١٧٢]، وقال في ملائكته {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ٢٦}[الأنبياء]، وقال في أنبيائه {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ١٧١}[الصافات]، وقال تعالى في نبيه نوح # {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ٣}[الإسراء]، وقال في نبيه سليمان # {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ٣٠}[ص]، وقال في نبيه أيوب # {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ٤٤}[ص]، وقال في جماعة من أنبيائه {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ٤٥}[ص]، فيا له من شرف باذخ، وعز شامخ، أن يجعلك الله من عبيده، وأن يقبلك بينهم، كما قال أمير المؤمنين علي # (كفاني فخراً أن