روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

23 - في الدعاء وأهميته

صفحة 200 - الجزء 2

الخطبة الثانية

  

  الحمد لله المحمود على نعمائه، المشكور على آلائه، الذي لا ينسى من ذكره، ولا يخيب من رجاه، ولا يرد من دعاه، نحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.

  وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد، وأشهد أن محمداً عبده المنتجب الطاهر المطهر، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

  أما بعد: أيها المؤمنون: أصبح الكثير من الناس في هذا الزمان لا يعرف الدعاء والرجوع إلى الله إلا إذا مرض، أو أصابته مصيبة، وحل به بلاء، أو ناله ضر أو فقر وحاجة، أما إذا كان معافىً سليماً مستغنياً، فيكاد أن ينسى اللهَ تعالى، ويكاد أن ينسى أن كلَّ ما في يده من الله، ويكاد يجزم ويقطع على أنه إنما حصل على ما حصل عليه من عافية أو مال بسبب ذكائه وحيلته وكده وتعبه، كما قال تعالى {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ٥١}⁣[فصلت]، بل قد أصبح الكثير من الناس في هذا الزمان يهون من جانب الدعاء، ولا يرفع له رأساً، بل قد يستهزأ ويسخر من الدعاء والداعين، وهذه من مصائب الزمان وعجائبه.

  قال الإمام جعفر بن محمد الصادق #: احفظ آدابَ الدعاء، واُنظر من تدعو؟ وكيف تدعو؟ ولماذا تدعو؟ وحققْ عظمةَ الله وكبريائَه، وعاين بقلبك ما في ضميرك، وإطلاعَه على سرِّك، وما تكّن فيه من الحق والباطل، واعرف طرق نجاتك وهلاكِك، كيلا تدعوَ الله بشيء فيه هلاكُك، وأنت تظن فيه نجاتَك، قال الله ø {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ١١}⁣[الإسراء]، وتَفَكَّرْ ماذا تسأل؟ ولماذا تسأل؟ والدعاءُ استجابةُ الكلّ منك للحقّ، وتذويبُ المهجة في مَشَاِهِد الرَّبِّ، وتركُ الاختيار جميعاً، وتسليمُ الأمور كلِّها، ظاهراً وباطناً إلى الله، فإن لم تأت بشرط الدعاء فلا تنتظر الإجابة، فإنه يعلم السرَّ وأخفى، فلعلك تدعوه بشيء قد علم من سرك خلاف ذلك.