42 - حول الجنة ونعيمها، والنار وجحيمها
٤٢ - حول الجنة ونعيمها، والنار وجحيمها
الخطبة الأولى
  
  الحمد لله الذي رغب عباده في ثوابه، وحذرهم من عذابه، وجعل الجنة منزلاً لمن أطاعه ومقيلاً، وأعد لمن خافه مسكناً كريماً، ولمن عصاه عذاباً أليماً، دائماً مقيماً، نحمده على ما ألهمنا من طاعته، وحذرنا من معصيته، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي ليس له ند ولا شبيه.
  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادقُ الأمين، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين.
  أما بعد: أيها المؤمنون: قد غطى حب الدنيا على القلوب فألهاها، وغلب الشقاءُ على النفوس فأنساها، فأصبحنا وأمسينا في غفلة عما يراد بنا، لا نعرف معروفاً ولا ننكرُ منكراً، ولا نحاول أن نجلبَ لأنفسنا نفعاً، ولا ندفع عنها ضراً، بل صارت حالنا في الدنيا حالَ من يعيش فيها دائماً، قد أمنَّا البيات، ونسينا الممات، ولهونا عن الدار الآخرة، فكأننا في الدنيا مخلدون، وفيها مقيمون، نسينا كل واعظة، وأمنا كل جائحة، كأن الوعد والوعيد لغيرنا، وكأن الجنة والنار خلقتا لسوانا، فلا يظهر على وجوهنا همٌّ ولا غمٌّ لغير الدنيا، إن فاتنا اليسيرُ منها حزِنّا، وإن نلنا منها القليل فرحنا وسُررنِا، وإن فاتنا الكثير من الآخرة ونعيمها لا نبالي، ولا يظهر على وجوهنا شيء من آثار الحسرة والندامة.
  فقد أصبحنا في زمان لا يعمل أهله إلا للدنيا، ولا يعشقون سواها، ولا يهتمون بغيرها، ولا يتنافسون إلا فيها، ولا يتعادون إلا عليها، لها يجتمعون وبسببها يتفرقون، فصارت حالنا تخالف أحوال الصالحين، ولا نسلكُ مسالك المتقين، ولا نقتدي بأهل الدين، ولا نتأسى بالمؤمنين.