روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

16 - حول انتظار الفرج

صفحة 142 - الجزء 2

١٦ - حول انتظار الفرج

الخطبة الأولى

  

  الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنِّعَمِ، وَالنِّعَمَ بِالشُّكْرِ، والبَلَاءَ والمحنَ بالفرجِ والنصرِ، لمن ثبتَ وصَبَرَ، نَحْمَدُهُ عَلَى آلَائِهِ، كَمَا نَحْمَدُهُ عَلَى بَلَائِهِ، وَنَسْتَعِينُهُ عَلَى هَذِهِ النُّفُوسِ الْبِطَاءِ عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ، السِّرَاعِ إِلَى مَا نُهِيَتْ عَنْهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ، وَأَحْصَاهُ كِتَابُهُ، وَنُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ عَايَنَ الْغُيُوبَ، وَوَقَفَ عَلَى الْمَوْعُودِ، إِيمَاناً نَفَى إِخْلَاصُهُ الشِّرْكَ، وَيَقِينُهُ الشَّكَّ.

  وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً ÷ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، شَهَادَتَيْنِ تُصْعِدَانِ الْقَوْلَ، وَتَرْفَعَانِ الْعَمَلَ، لَا يَخِفُّ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيهِ، وَلَا يَثْقُلُ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ عَنْهُ.

  أما بعد: أيها المؤمنون: الناس يعيشون في هذه الأزمنة في شدائد وفتن، وملمات ومحن، وعوارض وإحن، وأسباب ذلك كله من العباد، فأعمالهم السيئة، وأفعالهم القبيحة، وغفلتهم المتراكمة، وابتعادهم عن الرجوع إلى الله تعالى، هي التي تهيج أسباب النوائب، وتفتح أبواب المصائب، كما قال الله تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ٣٠}⁣[الشورى]، وكما قال تعالى {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ٥٨ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ٥٩}⁣[الكهف]، ولكن الله تعالى برحمته يمهلنا ولا يعاجلنا، لعلنا أن نرجع ونتوب كما قال تعالى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ٤٥}⁣[فاطر]، فالشدائد والمصائب لا تزول ولا تكشف ولا تفرج إلا بالرجوع إلى الله تعالى والأوبة، وصدق الإنابة والتوبة، التي تمحى بها الحوبة.