الخامس: الخطب المتعلقة بشهر رجب
  قضايا مستعصية، أقره عليها النبي ÷ وأجاز حُكمه فيها، ومدحه وأثنى عليه عليها، بما وفقه الله من حسن النظر، فمنها:
  قضية الزُّبْيَةِ - وهي الحفرة الكبيرة - التي وقع فيها أسد، فأصبح الناس ينظرون اليه ويتزاحمون ويتدافعون حول الزبية، فسقط رجل في الزبية وتعلق بالذي يليه، وتعلق الآخر بآخر، حتى وقع فيها أربعة، فجرحهم الأسد، وتناول رجلٌ الأسدَ بحربة فقتله، فأُخرج القومُ موتى، فانطلقت القبائل الى قبيلة الرجل الأول الذي سقط وتعلق فوقه ثلاثة.
  فقالوا لهم: ادوا دية الثلاثة الذين أهلكهم صاحبكم، فلولا هو ما سقطوا في الزبية.
  فقال أهل الأول: إنما تعلق صاحبنا بواحد فنحن نؤدي ديته، واختلفوا حتى أرادوا القتال، فصرخ رجل منهم إلى أمير المؤمنين وهو منهم غير بعيد، فأتاهم ولامهم، وأظهر الغضب عليهم، وقال لهم: لاتقتلوا أنفسكم ورسول اللّه حي، وأنا بين أظهركم، فإنكم تقتلون أكثر ممن تختلفون فيه، فلما سمعوا ذلك منه استقاموا، فقال: إني قاض فيكم قضاء فإن رضيتموه فهو نافذ، وإلا فهو حاجز بينكم من جاوزه فلاحق له حتى تلقوا رسول اللّه ÷ فيكون هو أحق بالقضاء مني.
  فاصطلحوا على ذلك، فأمرهم أن يجمعوا ديةً تامةً من القبائل الذين شهدوا الزُّبيَةَ ونصفَ دية، وثلث دية، وربع دية، فأعطى أهل الأول ربع الدية من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة، وأعطى الذي يليه ثلث الدية، من أجل أنه هلك فوقه اثنان، وأعطى الثالث النصف من أجل أنه هلك فوقه واحد، وأعطى الرابع الدية تامة، لأنه لم يهلك فوقه أحد، فمنهم من رضي، ومنهم من كره.
  فقال لهم علي #: تمسكوا بقضائي إلى أن تأتوا رسول اللّه ÷ فيكون هو القاضي فيما بينكم.
  فوافقوا رسول اللّه ÷ بالموقف بعرفة، فثاروا إليه فحدثوه حديثهم، فاحتبى ببرد عليه، ثم قال: أنا اقضي بينكم إن شاء اللّه.