46 - خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1438 هـ
  العيد في الإسلام فهو يحمل في ثناياه، ويشتمل في طواياه على معانٍ عظيمة، تملأ القلوب صفاء وبهجةً، وتغمر النفوسَ محبةً ونَشوَة، وتكسو الوَجوه نَضارة وفَرحَة، العيدُ كلمةٌ تُذكِّرَ المسلمَ بدينه، والمؤمنَ بيقينه، العيدُ كلمةٌ تربطُ المؤمنَ بعقيدتِه، ليكونَ واثقاً بربه، العيد يربطُ الإنسانَ بأحبَّتِه، لأنه يذكرُ المريضَ بصحَّته، والغريبَ بقرابته، والفقيرَ والمسكينَ بحاجته، والغني بثروته، والبعيدَ بأهله وعَشِيرته، واليتيمَ بأبيه، فإذا كانت رابطة الإنسان بالله قوية، فإنه سيتذكر في حال مرضه أن الله هو الشافي {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ٨٠}[الشعراء]، وفي حال ضعفه سيتذكر أن الله أقوى من كلِّ قوي {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ٢١}[المجادلة]، إذا كان فقيراً سيتذكر أن الله أغنى من كلِّ غني؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ١٥}[فاطر]، إذا كان ضعفياً ذليلاً سيتذكر أن الله أعزُّ من كلِّ عزيز {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٢٦}[آل عمران]، وتتفاوت درجات الوثوق بالله بحسب الإرتباط الديني، والمعرفة بالله تعالى.
  فالأعياد في الإسلام ليست انطِلاقاً وراءَ الشَّهوات، وليسَتْ سِباقاً إلى إشباع الرغبات، وليست انتِهاكاً للمُحرَّمات أو الحرمات، بل الأعياد في الإسلام فرحة بتتابع الطاعات، وتنوع العبادات، التي بسببها تكتسب الحسنات، وتغفر الخطيئات، وتمحى السيئات، وترفع في الجنان الدرجات.
  عيد الأضحى المبارك جعله الله يوم العاشر من ذي الحجة بعد أعظمِ أركانِ الحجِّ وهو الوقوف بعرفة، وشرع الله في هذا اليوم الأغر، والعيد الأكبر، أعمالاً صالحة يتقرب بها العباد إلى ربهم، فحجاج بيت الله الحرام يؤدون فيه أكثر مناسكهم، وتلك الأعمال والمناسك تتعلق بمكان معين، وزمان محدد، ومن رحمة الله تعالى بعباده شرع لمن لم يستطع الحج أعمالاً وطاعات من جنس تلك الطاعات المختصة بالمكان أو الزمان، فإذا لم يتمكن المسلم أن يعمل بعض الطاعات لأجل اختصاصها بمكان أو