العاشر: الخطب المتعلقة بالعبادات والإخلاص
  فهناك من يعبد على طرف وناحية لكن عبادته وطاعته إذا أصابه خير وعافية، لكن إذا ابتلي بأي ابتلاء، أو ناله أي مكروه أو ضرر، طلب لنفسه الرخص والمعاذير، وترك بالكلية، أو قصر وأهمل، وفرط وضيع، فقد حكى الله عن أهل هذا القسم أنهم من الخاسرين في الدنيا والآخرة.
  وما أشبه أهل هذا النوع بما قال أمير المؤمنين علي #: يكون في آخر الزمان قومٌ نبغ فيهم قومٌ مرآؤن فيتقرأون ويتنسكون، لا يوجبون أمراً بالمعروف، ولا نهياً عن المنكر إلا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير، يتبعون زلات العلماء وما لا يضرهم في نفسٍ ولا مالٍ، فلو أضرت الصلاة والصوم وسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها، وقد رفضوا أسنم الفرائض وأشرفها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فريضةً عظيمةً بها تقام الفرائض، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين، فريضةً بها تقام الفرائض وتحل المكاسب وترد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، فأنكروا المنكر بألسنتكم وصكوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائمٍ.
  ثم قال: وأوحى الله ø إلى نبي [هو يوشع بن نونٍ #] من أنبيائه ($) أني معذبٌ من قومك مائة ألفٍ، أربعين ألفاً من شرارهم وستين ألفاً من خيارهم، فقال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ قال: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي.
  وهناك نوع آخر: غلبت عليهم الأهواء، وطغت عليهم الشهوات، لو صببت عليه القرآن من أوله إلى آخره لما أثر فيه، ولو وعظته بأبلغ المواعظ لما نفعت لديه، لأن هواه قد استحوذ عليه فصار إلهه، فهو يفرط ويقصر في عبادة الله، ويظن أنه بفعله يضر الناس، وهو في الواقع يضر نفسه، كما قال تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ٢٢}[السجدة]، وكما قال تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ