العاشر: الخطب المتعلقة بالعبادات والإخلاص
  والقسم الثاني: المطيعون الذين عملوا بمقتضى العبودية، فأثنى الله عليهم بها، وأضافهم إليه، ونسبهم إلى نفسه، في آيات كثيرة، واختصهم بالإيمان، وامتثلوا أمره، وانتهوا عند نهيه، كما قوله تعالى {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ٣١}[إبراهيم]، ووعدهم الجنة فقال تعالى {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ٦١ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ٦٢ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ٦٣}[مريم]، ووعدهم أن يورثهم الأرض ليعمروها بالطاعات، ويطهروها من المحرمات، فقال تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ١٠٥ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ١٠٦}[الأنبياء]، إلى غيرها من الآيات.
  القسم الثالث: العبادُ المخلَصون، الذين هم بمزيد العناية مخصوصون، الذين أخلصهم الله لعبادته، واختصهم بطاعته، فهم من الشوائب سالمون، ومن المعاصي والأرجاس مطهرون، ومن الذنوب والخطايا مبرؤون، قد قطعوا من الدنيا علائقهم، وعلقوا بالآخرة مطامعهم، فهم من كيد الشيطان آمنون، فلم يجعل الله للشيطان عليهم سبيلاً، كما قال تعالى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الإسراء: ٦٥]، واستثناهم الشيطان حين أقسم أن يغوي جميع العالمين، وأعلن عجزه عنهم كما حكى الله من قوله {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ٨٢ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ٨٣}[ص]، وأعد الله لهم نعيماً كريماً فقال تعالى {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ٤٠ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ٤١ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ٤٢ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ٤٣ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ٤٤ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ٤٥ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ٤٦ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ٤٧ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ٤٨ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ٤٩}[الصافات].
  فانظر أيها المؤمن من أي أنواع العباد تريد أن تكون، فشمر في السعي، وجد واجتهد في العمل لتلجق بالعباد الصالحين، وتنجو من مزالق الآبقين، وتكون في الآخرة من الفائزين.
  فنسأل الله لنا ولكم التوفيق وحسن الخاتمة، والنجاة من كل كرب وهم في الدنيا والآخرة.