29 - حول الرزق والحكمة فيه
  قال أمير المؤمنين علي #: كان فيما وعظ لقمانُ ابنَه أن قال له: (يا بني ليعتبر من قصر يقينه وضعفت نيّته في طلب الرزق، إنّ الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره، وآتاه رزقه، ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة، أنّ الله تبارك وتعالى سيرزقه في حال الرابعة، أمّا أوّل ذلك فإنّه كان في رحم اُمّه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا يؤذيه حرّ ولا برد، ثمّ أخرجه من ذلك وأجرى له رزقاً من لبن أُمّه يكفيه به ويربيه وينعشه من غير حول به ولا قوّة، ثمّ فطم من ذلك فأجرى له رزقاً من كسب أبويه برأفة ورحمة له من قلوبهما، لا يملكان غير ذلك، حتّى أنّهما يؤثرانه على أنفسهما في أحوال كثيرة، حتّى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه ضاق به أمره، وظنّ الظنون بربّه، وجحد الحقوق في ماله وقتّر على نفسه وعياله مخافة إقتار رزق وسوء يقين بالخلف من الله تبارك وتعالى في العاجل والآجل، فبئس العبد هذا يا بني».
  وهنا كلام كثير لأمير المؤمنين علي # حول الكسب فمنه قوله: (الأرزاق لا تُنال بالحرص والمغالبة)، وقال: (أجملوا في الطلب فكم من طالب خائب ومجمل لم يخب)، وقال: (ذلّل نفسك بالطاعة، وحلّها بالقناعة، وخفّض في الطلب، وأجمل في المكتسب)، وقال: (ستّة يختبر بها دين الرجل، ذكر منها: الإجمال في الطلب)، وقال: (رزقك يطلبك فأرح نفسك من طلبه)، وقال: (سوف يأتيك أجلك فأجمل في الطلب)، وقال: (سوف يأتيك ما قدّر لك فخفّض في المكتسب)، وقال: (عجبت لمن علم أنّ الله قد ضمن الأرزاق وقدّرها، وأنّ سعيه لا يزيده فيما قدّر له منها وهو حريص دائب في طلب الرزق)، وقال: (لن يفوتك ما قسم لك فأجمل في الطلب، ولن تدرك ما زُوي عنك فأجمل في المكتسب)، وقال: (ليس كلّ مجمل بمحروم).
  والله والله أيمانٌ مكررةٌ ... ثلاثةٌ عن يمينٍ بعد ثانيها
  لو كان في صخرةٍ في البحرِ راسيةٍ ... صمّاء ملمومةٍ مِلسٍ نواحيها
  رزقٌ لنفس براها الله لانفلقت ... عنه فأدّت إليه كلّما فيها