9 - شخصية الإمام زين العابدين #
  وبكى عبد الملك بن مروان، وقال: شتان بين عبدٍ طلبَ الآخرة وسعى لها سعيها، وبين من طلب الدنيا من أين جاءته، ما له في الآخرة من خلاق.
  وروي أن عمته ذهبت إلى جابر بن عبدالله الأنصاري، فقالت له: يا صاحب رسول الله إن لنا عليكم حقاً، ومن حقنا عليكم إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهاداً أن تذكروه الله، وتدعوه إلى البُقيا على نفسه، وهذا علي بن الحسين $ بقية أبيه الحسين، قد انخرم أنفه، ونقبت جبهتاه وركبتاه وراحتاه، من دأب نفسه بالعبادة، فانطلقَ جابر إلى علي بن الحسين، فطلب الإذن منه بالدخول، فأذن له فوجده في محرابه قائماً يصلي، قد أنهكته العبادة، فلما انفلت الإمام من صلاته نهض إلى جابر، ورحب به، وسأله سؤالاً حفياً عن حاله، وأقبل جابر يقول: يا ابن رسول الله، أما علمت أن الله إنما خلق الجنة لكم ولمن أحبكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك، فقال له علي: (يا صاحب رسول الله، أما علمت أن جدي رسول الله ÷ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الإجتهاد، وتعبد حتى انتفخ ساقه، وورمت قدماه، فقيل له: أتفعل هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر)، فلما نظر إليه جابر، وليس يغني فيه قول يميل به من الجهد والتعب إلى القصد، فقال له: يا ابن رسول الله البقيا على نفسك فإنك من أسرة بهم يستدفع البلاء، وبهم تستمطر السماء.
  فقال #: (يا جابر لا أزال على منهاج أبواي متأسياً بهما حتى ألقاهما)، فبهر جابر، وأقبل على من حضر، فقال لهم: ما رُئي من أولاد الأنبياء، مثلُ علي بن الحسين # إلا يوسف بن يعقوب، واللهِ لَذريةُ النبي محمد ÷ أفضل من ذرية يوسف بن يعقوب، إن منهم لمن يملئ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.
  وبقي زين العابدين على طريقة آبائه في العبادة والتبتل، إلى أن توفي # شهيداً بالسم في الخامس والعشرين من محرم سنة خمس وتسعين للهجرة، وعمره سبعة وخمسون عاماً، ودفن بالبقيع بجوار جدته الزهراء وعمه الحسن، فصلوات الله ورحمته وبركاته وسلامه عليهم.