روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثاني: الخطب المتعلقة بصفر وبيع الأول

صفحة 108 - الجزء 1

  فلما صار الوضع على ما صار إليه لم يستجزِ الإمامُ # فيما بينه وبين الله تعالى أن يقيمَ بين أظهرهم، فاعتزل أمرهم، وتخلى عنهم، ثم انصرف عنهم واتجه إلى بلاده، وطوى المراحل والمنازل، حتى عاد إلى وطنه من أرض الحجاز.

  فلما خرج عنهم، ساءت أحوالُهم، وفسدت معائشُهم، وأخلفت ثمارهم وزروعهم، وأسرع الموت في مواشيهم وأنعامهم، وجدبت أرضهم، وعادت الفتن بينهم، فندم أهل اليمن على ما فرط منهم مِن مخالفته، والعدول عن أمره، واتفقوا على أن يوجهوا إليه من كل قبيلة رجالاً معروفين من خيارهم وصلحائهم فيسألونه العودة إليهم، ويُعلِمُونَه ندمهم على ما فرط منهم، والتوبة والإنابة مما قد أقدموا عليه من ترك طاعته، وأنهم قد تعاقدوا وعاهدوا الله ø على أن يأتمروا بأمره، ويسارعوا إلى نصرته، ويبادروا إلى ما يدعوهم إليه، ويبعثهم عليه، ويندبهم له من مجاهدة الظالمين، ومنابذة الفاسقين.

  ووردت الكتب والرسائل على أبيه وأعمامه يتشفعون بهم في إقناع الإمام للرجوع إلى اليمن.

  فقَدِمَ الوفدُ عليه وسألوا وتضرعوا وألحوا، وكان قد عزم على رفض الخروج معهم لما قد علمه من قسوة أهل اليمن، وكثرة شرهم، ولكنه رأى النبي ÷ في المنام وهو يقول له: يا يحيى مالك متثاقلاً عن الخروج، انهض ومُرهم أن ينقوا ما على الأرض من الأوساخ، أي من المعاصي والفساد، فعزم على الخروج ولم يرَ أن يتقاعد عنهم ويتأخر عمَّا دعوه إليه، فتجهز وخرج في جماعة أهله من بني أبيه وبني عمومته، وعدة من ثقاته وخدمه ومواليه، وكانوا قرابة خمسين رجلاً.

  وكانت هذه هي الخرجة الثانية التي كانت في عام (٢٨٤) هـ، ووصل إلى صعدة في السادس من شهر صفر من تلك السنة، وكانت في خولان فتنة عظيمة بين بني سعد وبني الربيعة قد فني فيها الرجال، وذهبت الأموال، وقحطت البلاد، وجدبت