1 - في أول السنة الهجرية حول محاسبة النفس
  وَعِبَرَاً، وَأَحْدَاثَاً وَعِظَاتَاً بَلِيغَةً، وتَصَرُّمُ الأعوامِ يُقَرِّبُ من السَّاعَةِ، كما قَالَ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ #: (ارْتَحَلَتِ الدُّنيَا مُدْبِرَةً، وارتحلَت الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، ولِكُلِّ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا من أَبنَاءِ الآخِرَةِ، ولَا تَكُونُوا مِن أبناءِ الدُّنيَا، فَإِنَّ اليومَ عَمَلٌ وَلَاحِسَابٌ، وغَدَاً حِسَابٌ ولَا عَمَلٌ).
  نَسِيرُ إلى الآجَالِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ ... وَأَعْمَارُنَا تُطوَى وَهُنَّ مَرَاحِلُ
  تَرَحَّلْ مِن الدُّنيَا بِزَادٍ مِن التُّقَى ... فَعُمْرُكَ أَيَّامٌ وَهُنَّ قَلَائِلُ
  انتهَى هَذَا العَامُ بِأَحْدَاثِهِ، بِأَفْرَاحِهِ وَأَتْرَاحِهِ، فَمَا أَسْرَعَ مَا مَضَى وانقَضَى، ومَا أَعظمَ مَا حَوَى، فَكَمْ شَقِيَ فيه أُناسٌ، وكم سَعِدَ فيهِ آخرُونَ؟ كَمْ مِّنْ دَارٍ فَرِحَتْ بِمَولُودٍ، وَأُخْرَى عُزِّيَتْ بِمَفْقُودٍ، كَمْ من طِفْلٍ فيهِ تَيَتَّمَ، وَكَمْ من امرأَةٍ فيه تَرَمَّلَتْ، وَكَمْ مِّن مَرِيضٍ تَعَافَى، وسَلِيمٍ في التُّرَابِ تَوَارَى، كَمْ مِّنْ أَهلِ بَيتٍ شَيَّعُوا مَيِّتَاً لهُم، وآخرونَ يَزُفُّونَ عَرُوسَهُم، كَمْ مِن آلَامٍ انقَلَبَتْ فيهِ أَفْرَاحَاً، وأَفْرَاحٍ انقَلَبَتْ فيه أَتْرَاحَاً، وكَمْ مِّنْ حَبِيبٍ فَارَقْنَا، وكمْ مِّنْ اخْتِبَارٍ وبَلَاءٍ وَاجَهْنَا، وَكَمْ مِّنْ سَيِّئَاتٍ اجْتَرَحْنَا، وَكَمْ مِّن عزيزٍ أَمسَى فيهِ ذَلِيلَاً، وكمْ مِّنْ غَنِيٍّ أَصبَحَ فيهِ فَقِيرَاً، وكَمْ من حَوَادِثَ عِظَامٍ مَرَّت بِنَا، ولَكِنْ أَينَ المعتبرونَ والمتَّعِظُونَ؟!، وأينَ النَّاظِرُونَ والمُفَكِّرُونَ؟!، أيَّامٌ تَمَرُّ على أَصْحَابِهَا كَالأَعْوَامِ، وأَعْوَامٌ تَمُرُّ عَلَى أصحَابِهَا كَالأَيَّامِ، أُمُورٌ تَتَابَعُ، وأَحْوَالٌ تَتَغَيِّرُ وَتتَمَانعُ، تَزِيدُ العَاقِلَ عِظَةً وَعِبْرَةً، وتُنَبِّهُ الجَاهِلَ مِن سُبَاتِ الغَفْلَةِ، ومَن لَم يعتبِرْ بِمَا يِجرِي حَولَهَ، فَقَدْ غُبِنَ نَفْسَهُ.
  أَيُّهَا المُؤمِنُونَ:
  تَخْتَلِفُ أَحوالُ النَّاسِ في انْسِلَاخِ العَامِ، فمِنهُمْ مَنْ يَفْرَحُ، ومِنهُمْ مَنْ يَحْزَنُ، ومِنْهُمْ مَنْ لَا يَدْرِي أَخَرَجَ عَامٌ أَمْ لَا؟ فَمَنْ كَانَ يَتَرَقَّبُ مَنْفَعَةً أَوْ مَصْلَحَةً دُنْيَوِيَّةً مُسْتَقْبَلَةً يَفْرَحُ بِمُرُورِ عَامٍ، لِأَنَّهُ يَقْتَرِبُ مِن حَاجَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ، ومَن كَانَ يَتَرَقَّبُ أَوْ يَنْتَظِرُ سُوءً أَوْ شَرَّاً أَو ضَرَرَاً تَرَاهُ يَحزَنُ لاقْتِرَابِ الشَّيْءِ المخُوفِ مِنه، ولكنَّ أَفرَاحَنَا وأحزَانَنَا كُلَّها