روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الأول: الخطب المتعلقة بشهر محرم

صفحة 15 - الجزء 1

  تَتَّجِهُ في اتجاهٍ وَاحِدٍ، وتَصُبُّ في مَكَانٍ وَاحِدٍ، وهو النَّظَرُ إلى الدنيا، فَجَعَلْنَا أَفرَاحَنَا وأَحزَانَنَا من أَجْلِهَا، وَنحنُ في غَفْلَةٍ عَظِيمَةٍ عن الفَرَحِ أَو الحُزنِ من أَجْلِ المقْصَدِ الأَسمَى وهو المقصَدُ الأُخروِيُّ، فَمَنْ يَفْرَحُ بِقَطْعِ الأَيَّامِ والأَعوامِ دُونَ اعتبَارٍ وَحِسَابٍ لِمَا يتَرَتَّبُ على ذلك هو من أهلِ الغَفْلَةِ العَظِيمَةِ.

  إِنَّا لَنَفْرَحُ بالأيَّامِ نَقْطَعُهَا ... وَكُلُّ يَومٍ مَضَى يُدْنِي مِن الأَجَل

  فاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبلَ المَوْتِ مُجْتَهِدَاً ... فَإِنَّمَا الرِّبْحُ والخُسْرَانُ في العَمَل

  فالعَاقِلُ من اعتَبَرَ بالأمْسِ المَاضِي، وَجَدَّ واجتَهَدَ في اليومِ الحَالِي، واسْتَعَدَّ لِيَعْمَلَ في الغَدِ الآتِي.

  أيها المؤمنون:

  إِنَّ الليَالِيَ والأيَّامَ تُبلِي الجَدِيدَ، وتُقِرِّبُ البَعِيدَ، فهي خَزائنُ الأعمَالِ، وَمَرَاحِلُ الأَعْمَارِ، فانْظُرْ أَيُّهَا المؤمِنُ في صَحَائِفِ أَيَّامِكَ التي مَضَتْ، مَاذَا قَدَّمتَ فيهَا لآخِرَتِكَ، واختَلِ بِنَفسِكَ وحَاسِبْهَا، على الصَّغِيرِ والكبيرِ من أَعمَالِهَا، وَخُذْ بِزِمَامِ نَفْسِكَ وضَيِّقْ خِنَاقَهَا، وسَآئِلْهَا مُسَآئَلَةَ التَّحقِيقِ، وحاسِبْهَا مُحَاسَبَةَ الشَّرِيكِ.

  انْظُرْ في مَاذَا تَكَلَّم اللِّسَانُ، ورَأَتِ العينَانِ، وسمِعَتِ الأُذُنَانِ؟، وإلى أَينَ مَشتِ القَدَمَانِ؟، وبِمَنْ بَطَشَتِ اليَدَانِ؟، حاسِبْ نَفسَكَ على إهمالِ وتَضِيِيعِ الفَرَائِضِ والوَاجبَاتِ، وعلى ارتكابِ المحرَّمَاتِ والمنهيَاتِ، حاسِبْ نفسَكَ على الغَفَلَاتِ، وتَضييعِ الأوقَاتِ، وفَواتِ الشُّهُورِ والأسَابِيعِ والسَّاعَاتِ، فإنَّ الليلَ والنَّهَارَ مَطِيَّتَانِ، يُبَاعِدَان من الدُّنَيا ويُقَرِّبَانِ من الآخِرَة، ويَحُثَّانِ بِنَا السَّيرَ إلى الآخِرَةِ.

  فطُوبَى لِعَبْدٍ انتفَعَ بِوَقْتِهِ، وحَرِصَ على عُمُرِه، فاستقبل عامَهُ الجَدِيدَ بمحاسَبةِ نفسِهِ، فَتَحَسَّرَ ونَدِمَ على تفريطِهِ فيمَا مضَى، وتَابَ إلى الله ø وعزمَ على الهُدَى، وجَعلَ قولَ النبيِّ ÷ «كُنْ فِي الدُّنيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرَ سَبِيلٍ» نَصْبَ عَينَيهِ، وَحَرِصَ على كلِّ أوقَاتِ عُمْرِهِ أَلَّا تَفُوتَ إِلَّا