روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

15 - حول البعثة النبوية

صفحة 133 - الجزء 1

  والحجارة، فمكث كذلك مَا شاء الله يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث، إلى أن جاءه جبريل # بما جاءه من كرامة الله وهو بجبل حِراء.

  فامتثل ما حمل من أمر الله ودعا الناس إلى طاعة الله فكان أول من أجابه من الناس خديجة بنت خويلد ثم علياً # ثم تتابع الناس في قبول الإسلام والدخول في دين الله أفراداً وجماعات، وبقي النبي في مكة يدعو سراً ثلاث سنين لا يظهر أمر الدعوة إلا لمن يثق به ويطمئن إليه، فرأى أن هناك من يستجيب لنداء الله، وعلم أن آذاناً صاغية ورجالاً صالحين قد أجابوا دعوته وهم من صميم قريش وغيرها، فتمهدت السبل، وتهيأ الجو للدعوة العامة، ثم أمر بالجهر بالدعوة، فدخلت الدعوة مرحلة جديدة صعبة المرتقى، شديدة التحمل والعناء، كثيرة المصاعب والأذى، لما كانت تتمتع به قريش من كبرياء ونخوة، وجبروت وسطوة، وعصبية وحمية، وتشدد في أمر آلهتها وأوثانها، فاجتاز النبي ÷ تلك الصعوبات، ولم ينظر إلى الموانع والمعوقات، بل شحذ همته، وبذل في سبيل النشر للدعوة قوته وشدته، فناداهم في المجامع والأسواق، وحاججهم في النوادي، يدعوهم إلى دين الله ويتلو عليهم آيات الله، ويظهر لهم ما أيده الله به من المعجزات المصدقة لدعواه، ويعبد الله أمام أعينهم جهاراً نهاراً، لا يخشى الغوائل، ولا يرهب جموع القبائل، فأول من قام بدعوته عشيرته الأقربين، وعصبته الأدنيهن، ورهطه الهاشميين، ثم تعدت الدعوة إلى بطون قريش، صابراً على تكذيبهم له، محتسباً الثواب في ما يتهموه به من الجنون والسحر والشعر والكذب، غير مبال بما يقولون ولا يوهن عزمه ما به ينطقون، ماثلاً أمامهم جبلاً من جبال الصبر الذي لا تحركه العواصف، ولا تزلزله القواصف، حتى أفشل بقوة تحمله وصلابة نفسه جميع مخططاتهم، وصب سمومهم في أكبادهم، ورد ادعآءتهم عليهم، وأجابه من أجاب من الضعفاء والمساكين الذين عذبوا بأنواع التعذيب، فلما رأى النبي ÷ ما