روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثالث: الخطب المتعلقة بشهر ربيع الأول

صفحة 134 - الجزء 1

  يصيب أصحابه من الأذى أذن الله له أن يأذن لهم بالهجرة إلى الحبشة، فلما كانت السنة الخامسة من البعثة هاجر أول دفعة من المسلمين وعددهم اثنا عشر رجلاً وأربع نسوة، فخرجوا ليلاً ولم يشعر بهم المشركون، فلما علموا غضبوا وأسرعوا في طلبهم فلم يدركوهم حيث وهو قد عبروا البحر مع سفينتين تجاريتين كانت على ساحل البحر، ثم جاءت الهجرة الثانية إلى الحبشة بعدد أكثر وصعوبة شديدة من قبل المشركين الذين كانوا يترصدون تحركات المسلمين، فكان عدد المهاجرين اثنين وثمانين رجلاً وثمانية عشر امرأة، بقيادة جعفر بن أبي طالب، فتمكنوا بمن الله من التخلص من المشركين حتى وصلوا إلى الحبشة، التي كانت مملكة للنجاشي الذي كان على دين المسيح وكان عادلاً لا يُظلم عنده أحد، فآواهم وأحسن استقبالهم، فحاول المشركون أن ردهم فأرسلوا بعثاً إلى النجاشي، فبآؤا بالفشل.

  وكان رسول الله ÷ محمي الجانب في منعة لمكان عمه أبي طالب الذي حامى وناصر ومانع قريشاً أن يصلوا إلى رسول الله بأذى، لما كان يحظى به أبو طالب من المكانة والرئاسة في قريش، فقوي بهذا جانب رسول الله ÷، وتمكن من فعل أشياء في الدعوة، وخوله ذلك اكتساب الهيبة في قلوب المشركين، فاضطر المشركون إلى سلوك طرق سلمية في بادئ الأمر فحاولوا أن يفاوضوا أبا طالب مفاوضات عديدة فيها نوع من القسوة والشدة، ولكن أبا طالب لم يسلم رسول الله ÷ ولم يلن لقريش في جانبه، ولم ينزل عند أي رغبة من رغباتهم، فعزموا على أن يغيروا لهجتهم إلى الشدة والتحدي والإنذار لأبي طالب إن لم ينه ابن أخيه عن تسفيه أحلامهم، وسب آلهتهم، والتعرض لدينهم، فسوف ينازلونه حتى يهلك أحد الفريقين، فأخبر أبو طالب رسول الله ÷ بمقالة القوم، فقال النبي مقالته المشهورة: والله يا عم لو ضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه.