15 - حول البعثة النبوية
  فقد تحدّث التاريخ عن تلك المعاناة القاسية فسجّل بفخر واعتزاز صمود أصحاب محمّد ÷ وثباتهم على منهج الدعوة ومواصلة السير في الطريق ذات الصعوبة، فهم الّذين سبقوا إلى الإسلام ولا عشائر لهم تمنعهم، ولا قوّة لهم يُمنعون بها أو يحمون بها أنفسهم.
  فمن أولئك الصابرين فيذكر بلالَ بن رباح الحبشي، الّذي كان عبداً مملوكاً لأمَيّة بن خلف الجُمَحي، فاستنشق عبق الحرِّيّة والكرامة في مبادئ الإسلام وقيمه السّامية، فالتحق بالركب وواصل المسير فعلم أمَيّة بن خلف بذلك، فراح يُعذِّب بلالاً: فكانت إذا حميت الشمس وقت الظهيرة يلقيه في الرّمضاء على وجهه وظهره، ثمّ يأمر بالصخرة العظيمة فتُلقى على صدره، ويستمرّ أمَيّة بن خلف في تعذيب بلال، ويستمرّ بلال على صبره وصموده وتحدِّيه، فيُخيَّر بين أن يكفر بتوحيد الله وبنبوّة محمّد ÷، وبين أن يموت تحت الصخرة وعذاب الطّغاة، فيتعالى صوته، مظهراً لتحدي أعدائه فينادي: أحد أحد.
  ويُسلِم حليف بني مخزوم ياسر وابنه عمّار وزوجته سميّة، الأسرة المستضعفة البائسة الّتي دخلت الإسلام في المرحلة السرِّيّة، أمّا الآن فقد انكشف إسلامهم وعرف الأسياد والطّغاة بذلك، فكانوا يُخرِجوَن عمّاراً وأباه وأمّه إلى الأبطح إذا حميت الرّمضاء يعذِّبونهم بحرِّ الرّمضاء، يمرّ بهم النبيّ ÷ ويقول: (صبراً آل ياسر، فإنّ موعدكم الجنّة)، فمات ياسر في العذاب، وأغلظت امرأته سميّة بالقول لأبي جهل، فطعنها في قُبْلِها بِحَرْبَة في يديه فماتت، وهي أوّل شهيدة في الإسلام، وشدّدوا العذاب على عمّار بالحرِّ تارة، وبوضع الصّخرِ على صدره اُخرى وبالتغريق اُخرى.
  ويُعذّبُ خَبّاب بن الارَت التميميّ، وكان أبوه من السّبايا الّذين بيعوا في مكّة، وهو من المسلمين الأوائل الّذين بادروا إلى التصديق بمحمّد ÷، فأخذه الكفّار وعذّبوه عذاباً شديداً، فكانوا يُعَرّونه ويُلصِقون ظهره بالرّمضاء ثمّ بالرّضْفِ - وهي الحجارة المحمّاة بالنار - ولووا رأسه، فلم يُجِبهُم إلى شيء ممّا أرادوا منه.