الثالث: الخطب المتعلقة بشهر ربيع الأول
  ومن اُولئك المعذّبين الصابرين أبو فكيهة، وقد كان عبداً لصفوان بن أميّة بن خلف الجمحي، فأخذه اُميّة بن خلف وربط في رجله حبلاً وأمر به فجرّه ثمّ ألقاه في الرمضاء، ومرّ به على جُعل، فقال له أميّة: أليس هذا ربّك؟ فقال: الله ربّي وربّك وربّ هذا، فخنقه خنقاً شديداً، ومعه أخوه أبي بن خلف يقول: زِدْهُ عذاباً حتّى يأتي محمّداً فيخلِّصه بسحره، ولم يزل على تلك الحال حتّى ظنّوا أنّه قد مات، ثمّ أفاق، فمرّ به أحد المسلمين فاشتراه وأعتقه.
  وقيل: إنّ بني عبدالدار كانوا يضربونه، ويضعون الصخرة على صدره حتّى دلع لسانه فلم يرجع عن دينه.
  وليست سمية هي المؤمنة الشهيدة الوحيدة الّتي دخلت ملحمة الصِّراع، وتحدّت طغيان الطّغاة، بل هناك نساء خالدات في سجل تاريخ الدعوة المحمدية والجهاد الصمودي.
  فها هي النّهديّة التي كانت مولاة لبني نهد، ثم ملكتها بعد ذلك امرأة من بني عبدالدار تُنزِل بها مولاتها أشدّ العذاب، وتقول لها: لا أترك عذابك حتّى يشتريك بعض أصحاب محمّد، فيشتريها أحدهم ويُعتِقُها من العبوديّة.
  وها هي لبيبة جارية لبني مؤمل، يُنزِل بها عمر بن الخطّاب قبل إسلامه أشدّ ألوان العذاب ثمّ يتركها، ويقول لها: إنِّي لم أدعك إلاّ سآمة، فتقول له: كذلك يفعل الله بك.
  وها هي زُنّيرة: المرأة الّتي فقدت عينيها بالتعذيب، كانت مملوكة لبني عدي أو لبني مخزوم، فكان عمر بن الخطاب يعذّبها، وقيل كان أبو جهل هو الّذي يمارس التعذيب الوحشي معها، لقد ردّ الله عليها بصرها، فقال المشركون هذا من سحر محمّد.
  فهذه المواقف البطولية يتعلم منها المسلم كيفية الثبات على الدين، ويتخذ منها دروساً تنير له طريق الفداء والتضحية من أجل الحق والمحقين، فأولئك صبروا في أوائل الدعوة، في وقت الشدة والضيق والقلة والذلة، لما عشعش الإسلام في قلوبهم، وعرفوا عظمته فدوه بأنفسهم، فجزاهم الله عن نبيهم خير الجزاء، ورضي عنهم أحسن الرضا.