روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الأول: الخطب المتعلقة بشهر محرم

صفحة 16 - الجزء 1

  فِي خَيرٍ وعَمَلٍ حَسَنٍ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ÷ «خَيرُكُمْ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وَشَرُّكُمْ مَن طَالَ عُمْرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ»، وطوبى لمن استعانَ باللهِ تعالى بالدعاءِ والتضرعِ، وهو يدعُو بدعاءِ النبيِّ ÷ «اللهم اجعَلِ الحيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيرٍ، والموتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ».

  أَيُّهَا المُؤمنُونَ: تَتَجَدَّدُ الأعوامُ فنقولُ في أنفُسِنَا: إِنَّ أمَامَنَا عَامَاً جَدِيدَاً وَنَرَاهُ طَويلَاً، نُؤمِّلُ فيه آمَالَاً، وننوِي فيهِ أعمالَاً، ولكِنْ سُرْعَانَ ما يَنقضِي قبلَ أَنْ نَحصُلَ على شَيءٍ من ذَلِكَ، فَلَا نَحنُ استفَدْنَا في الدُّنيَا، ولا نحنُ عَمِلْنَا للآخِرَة، فلَا ذَا تَأَتَّى ولَا ذَا حَصَلَ.

  فعلينا أنْ نقِفَ مع أنفسِنَا مَوقفَ الصِّدْقِ والصَّرَاحَةِ، وأَنْ نُحَاسِبَهَا قَبلَ أنْ تُحَاسَبَ، وأَنْ نَزِنَ أعمالَنَا قبلَ أَنْ تُوزَنَ، فَإِذَا كَانَ أصحابُ رؤوسِ الأموَالِ والأعمالِ وأربابُ الدنيا يجعلُونَ المحاسَبَةَ والتَّدقِيقَ والمراجَعَةَ مِن أَهَمِّ المراحِلِ الإدَارِيَّةِ، لِتَسْتَمِرَّ أعمالُهم وتسير إلى الأحسَنِ والأفضَلِ، فإذا وجَدُوا خَلَلَاً سَدُّوهُ، أو فَسَادَاً أَصْلَحُوه، فيجعلونَ المحاسبَةَ وسِيلَةً إلى بِنَاءِ أعمالِهم وتَرْقِيَتِهَا إلى الأَحْسَنِ، فَبِدُونِ المَحَاسَبَةِ تَكُونُ مَصَالِحُهُمْ عُرْضَةً للفَشَلِ والزَّوَالِ، هذَا في إِدَارَةِ الشُّؤونِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فمَا بَالُكُ - أيُّها الإنسانُ المسكِينُ الضعِيفُ - وأنتَ تقطَعُ مَرَاحِلَ حَيَاتِكَ للقاءِ رَبِّكَ، كَيفَ سَيَكُونُ ذَلِكَ اللِّقَاءُ إِذَا لَم تَكُنْ مُنَسِّقَاً مُعِدَّاً لَهُ أَحْسَنَ إِعْدَادٍ، لِأَنَّهُ نَتِيجَةٌ نِهَائِيَّةٌ، فإِمَّا فَوزٌ ونَجَاةٌ، وإِمَّا خَسَارَةٌ وعَذَابٌ.

  وَفَّقَنِي اللهُ وإِيَّاكُمْ لِمَا يُرْضِيهِ، وَجَنَّبَنَا مَعَاصِيهِ، وَجَعَلَنَا مِن الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَغَفَرَ لَنَا سَالِفَ آثَامِنَا فِيمَا خَلَا مِنْ أَعْمَارِنَا، وَعَصَمَنَا فِي بَقِيَّةِ أَيَّامِ دَهْرِنَا، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، وَبِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ، {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١ اللَّهُ الصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}⁣[الإخلاص] أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِوَالِدِينَا وَوَالِدِيكُمْ، وَلِكَافَّةِ إِخوَانِنِا المؤمِنِينَ والمؤمِنَاتِ، فاستغفروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.