روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثالث: الخطب المتعلقة بشهر ربيع الأول

صفحة 155 - الجزء 1

  فلما كان يوم الخميس أمر النبي ÷ بباب الحجرة أن يفتح ويدخل الناس عليه، يا لها من لحظات مريرة، ووقفات مؤلمة، حيث يجتمع الناس لوداع أعظم وأفضل خلق الله، في حيرة ودهشة، فها هو رسول الله ÷ يأذن للناس أن يدخلوا عليه ليعظهم ويذكرهم، ليعلمهم باقتراب الرحيل، ليودعهم، إنها لحظات لا يستطيع المرء أن يتخيلها.

  فلما دخلوا قال النبي ÷: «ائتوني بدواة وصحيفة أكتبْ لكم كتاباً لا تضلون بعدي أبداً».

  فقال عمر بن الخطاب: إن رسول الله ليهجر، كتاباً غير كتاب الله يريد، حسبنا كتاب الله.

  فاختلف الناس عند رسول الله ÷، وارتفعت الأصوات، وكثر اللغط، فلما سمع رسول الله ÷ ذلك فغضب، ثم قال لهم: «اخرجوا عني وأستودعكم كتاب الله وأهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، وأنفذوا جيش أسامة، لا يتخلف عن بعثته إلّا عاصٍ لله ولرسوله»، ثم جعل يقول: «اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم»، وخرج الناس وأغلق الباب الذي كان على الحجرة.

  فيا لله العجب كيف يأمر النبي ÷ بشيء ويخالفه أصحابه، ويأبون عليه ذلك أشد الإباء، إنها والله فاقرة في الدين، ومصيبة على الإسلام والمسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

  وفقني الله وإياكم لما يرضيه، وجنبنا معاصيه، وغفر لنا سالف ذنوبنا فيما خلا من أعمارنا، وعصمنا من اقتراف الآثام بقية أيام دهرنا، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ١٢٨ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ١٢٩}⁣[التوبة]، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولوالدينا ووالديكم، ولكافة إخواننا المؤمنين والمؤمنات، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.