روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

17 - حول وفاة النبي ÷

صفحة 157 - الجزء 1

  ولا زال الألم يتزايد كل يوم، والمرض يشتد، ورسول الله ÷ في حجرته، والناس يجتمعون على باب حجرة رسول الله ÷، يترقبون لحظة الفراق، وساعة الوداع، وهم يبكون حول حجرته، فلم يأذن علي # لأحد بالدخول، كي لا يزيد على رسول الله ما هو فيه من المرض والألم.

  وها هو رسول الله ÷ في غصص الموت، وأنات الوداع يتذكر رفيق دربه، وأنيسه، يتذكر جبريل الأمين الذي كان يأتيه بالوحي، فإذا به ينادي «أين أنت يا جبريل؟ ادن مني»، ولكن جبريل ليس بالبعيد بل هو بقرب النبي ÷، فليس بتارك له في هذه اللحظات العصيبة، فإذا بجبريلَ يجيبه، وهو يقول: يا محمد، أبشر فإنك قادم على ربك.

  وجاء دور ابنته الوحيدة التي تكاد نفسها أن تخرج من شدة الجزع والحزن على أبيها، ها هي فاطمة الزهراء تريد أن تودع أباها، الذي ليس له نظير ولا مثيل في الآباء، ها هي تدنو من أبيها الذي طالما أبدى لها من الحب والحنان والشفقة والرقة ما لا مزيد عليه، ها هي تستشعر أن ذلك الحنان وتلك الرقة ستغادرها، وتذهب عنها وترتحل، ولكن لا بد من الفراق والوداع، فها هي فاطمة & تدنو من أبيها وهو مغمض العين وتناديه: (يا أبتاه، تفديك نفسي، انظر إليّ نظرة عسى كُرَب الموت تغشاني، ولا أراني إلاّ مفارقةَ الدنيا بعدك عن قريب أو معك).

  يسمع رسول الله ÷ صوتها وهو في شدة من الألم فلم يتمالك نفسه حتى فتح عينيه، ونظر إليها، ورفع يده فمسح خدها من الدموع، ثم غمض عينيه ساعة، وفاطمة تنظر إليه، والحزن يذيب فؤادها، ويحرق أحشاءها، فإذا بها تنادي مرة ثانية: (يا أبتاه نفسي لنفسك الفداء، قد ذاب قلبي ورقت كبدي، ولوددت أن نفسي خرجت قبل نفسك، ها أنا ذا بين يديك لا أراك تكلمني، اللهم صبرني»، أب رحيم شفيق، يسمع صوت ابنته الوحيدة التي كانت أغلى وأعز وأحب شيء عنده في الدنيا،