روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

1 - في أول السنة الهجرية حول محاسبة النفس

صفحة 18 - الجزء 1

  عن الحسن البصري في تفسير قول الله تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ٢}⁣[القيامة] قال: لا يُلقى المؤمنُ إلا يُعَاتِبُ نفسَهُ: مَاذَا أرَدْتُ بِكلمتي؟ ماذا أردتُ بأَكْلَتِي؟ مَاذَا أَردتُ بِشَرْبَتِي؟ والفاجرُ يَمضي قُدُماً لا يُعَاتِبُ نفسَه.

  وقال الحسنُ البصريُّ: المؤمنُ قَوَّامٌ على نفسه يُحاسِبُهَا لله، وَإنّما خَفَّ الحسَابُ يومَ القيامَةِ على قَومٍ حاسَبُوا أنفُسَهُم في الدُّنيَا، وإنّما شَقَّ الحسَابُ يَومَ القِيَامَةِ علَى قَوْمٍ أَخَذُوا هذا الأمرَ من غَيرِ مُحَاسَبَةٍ.

  وقَالَ بعضُ الصّالِحِينَ: لا يكونُ العبدُ مِن المتقينَ حَتَّى يُحَاسِبَ نَفسَه أَشَدَّ من مُحَاسَبَةِ شَرِيكِهِ.

  فالمُحَاسَبَةُ: مَعنَاهَا: أَنْ يتصفّحَ الإنسانُ في لِيلِهِ مَا صَدَرَ من أفعالِه في النهَارِ، وفي نَهَارِه مَا صَدَرَ منه في الليلِ، فإنْ كانَ مَحمُودَاً أَمضَاهُ، وأتبعَه بِمَا شَاكَلَهُ وضَاهَاهُ، وإن كَان مَذْمُومَاً استدركَهُ إِنْ أَمْكَنَ، وانتهى عن مِثْلِهِ في المُستَقْبَلِ.

  ومن المُحَاسَبَةِ أيضاً: التثبّتُ في جميعِ الأحوالِ قبلَ الفعلِ والتركِ مِن العقدِ بالضَّمِيرِ، أو الفعلِ بالجَارِحَةِ؛ حتى يتبيّنَ لَكَ مَا تَفْعَلُ ومَا تَتْرُكُ، فإن تبيّنَ لَهُ ما كَرِهَ اللهُ تَرَكَهُ وجانبَهُ بِعَقدِ ضَمِيرِ قَلْبِهِ، وكَفَّ جَوَارِحَه عَمّا كرههُ اللهُ، ومَنَعَ نفسَه من تركِ الفرضِ، وسَارَعَ إلى أدَائِهِ.

  أيُّهَا المُؤمنونَ: إنّ لمحاسبةِ النَّفسِ فَوَائِدَ كثيرةً، تَعُودُ على الإنسانِ بالخيرِ في دِينهِ ودُنياهُ وآخرتِه:

  فمنها: معرفةُ الإنسانِ بقدرِ نفسِهِ، مِن حيثُ الإطلاعِ على عُيوبِ النَّفسِ ونقائِصِها، فمن اطَّلَعَ على عُيُوبِ نفسِهِ، نَزَّل نَفْسَهُ المنزِلَةَ الحَقِيقِيَة، ولَا شَكَّ أنّ معرفةَ العبدِ بقدرِ نفسِه تُورِثُهُ تَذَلّلاً لله وعُبُودِيَّةً عظيمَةً، فلا يَستَكثِرُ عَملَهُ مهمَا عَظُم، ولا يحتَقِرُ ذَنْبَهُ مَهمَا صَغُرَ.