الأول: الخطب المتعلقة بشهر محرم
  وَمِنهَا: مَعْرِفَةُ حَقِّ اللهِ تعالى عليهِ، وعظيمِ فَضلِهِ وَمَنّهِ؛ وذلكَ عندَمَا يَنظُرُ في نعمةِ اللهِ عليهِ وينظرُ في تفريطِهِ في طَاعَةِ اللهِ، فيكونَ ذلك رَادِعَاً لَهُ عَن كُلِّ فِعلٍ قَبِيحٍ؛ وَيَعْلَمَ عندَ ذَلِكَ أَنَّ النجَاةَ لا تَحْصُلُ إلا بِعَفْوِ الله ومغفرَتِه ورحمتِهِ، ويتيقّنَ أنَّ مِن حَقّ الله تعالى: أن يُطَاعَ فلا يُعصَى، وأن يُذكرَ فلا يُنسَى، وأن يُشكر فلا يُكفر.
  ومنها: أَنَّ المحاسَبَةَ تزُكي النفسَ وتطهرُها من الذُّنوبِ، وتُلزِمُها أمرَ الله، ومَن زَكَّى نفسَه فقد نجّاهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ٩ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ١٠}[الشمس]، قالَ بعضُ الصَّالحين: رَحِمَ اللهُ عبداً قال لنفسِهِ: ألستِ صاحبةَ كذا؟ ألستِ صاحبةَ كذا؟ ثم ذَمّها، ثم خَطَمَها، ثم ألزمَها كتابَ اللهِ، فكان لها قائِدَاً.
  ومن فَوائِدِ المُحَاسَبَةِ: أَنَّهَا تُرَبّي عندَ الإنسَانِ الضميرَ الحَيَّ، وتُنَمِّي في ذَاتِهِ الشُّعُورَ بالمسؤولِيَّةِ، وَتَدْعُوهُ إلى ضَبطِ الأعمالِ والتصرّفاتِ بِضَابِطٍ دَقِيقٍ هو الشَّرعُ.
  وأَمَّا مَن أَهْمَلَ نفسَهُ وَلَم يُحَاسِبْها فَسَيُغْرِقُهَا في لُجَجٍ مِن بِحَارِ الفَسَادِ والهَلَاكِ، وينتهي إلى خُسْرَانٍ في نارٍ وَقودُها النَّاسُ والحجارةُ، لأنَّ الفَسَادَ والضَّلَالَ في المجتمعاتِ والأفرادِ لا يَحصُلُ إلا إذَا أصبحَ الفَردُ أو المجتمعُ لا يَتَوَقَّعُ مراقبةً، ولا يَخشَى من أَحدٍ سُؤَالَاً، ولا يخافُ حِساباً من أحدٍ على أيِّ تَصَرُّفٍ أو عمل، فينطلقونَ في حَرَكَاتِهم كما يُحبُّونَ، ويموجون كما يشتهون، فيتَقَلَّبُون على الحياةِ ودروبها بِلَا زِمَامٍ ولا خُطَامٍ، فيتشَبَّهونَ بأهل النارِ كمَا حَكَى اللهُ عنهم بقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا ٢٧ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ٢٨}[النبأ].
  قال بعضُ العلماء: أضرُّ مَا على المكلّفِ الإهمَالُ وتركُ المحاسبة، والإسترسالُ، وتسهيلُ الأمورِ وتمشيتُها؛ فإنَّ هذا يؤول به إلى الهلاك، وهذا حالُ أهل الغرور يُغْمِضُ عينيهِ عن العَوَاقِبِ، ويُمشّي الحالَ، ويَتَكِّلُ على العَفْوِ، فيُهْمِلُ محاسبةَ نفسِهِ والنظرَ في العَاقِبَةِ، وإذا فعل ذلك سَهُلَ عليه مواقعةُ الذُّنُوبِ وأَنِسَ بها وعَسُرَ عليه فِطَامُهَا.
  والنفسُ كالطفلِ إن تُهْمِلْهُ شَبَّ على ... حبِّ الرِّضاعِ وإن تفطِمْهُ ينفَطِم