23 - حول حادثة الإسراء والمعراج
  وقطع النبي تلك المسافة الطويلة الهائلة ذهاباً وإياباً في بعض ليلة، وهي مسافة لا تقطع في تلك المدة والفترة إلا في شهر ذهاباً وآخر إياباً، أما في هذه الأزمنة المتطورة، والعصور المتقدمة، فلا يصل إليها المسافر على أحدث المواصلات البرية، إلا في ليال وأيام، فهذه الرحلة تحدث الله عنها في سورة الإسراء، وقد سمى الله تعالى هذه السورة باسم هذه الحادثة، فقال تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}[الإسراء: ١] إلى آخر الآيات.
  لتكون هذه الحادثة دليلاً كبيراً وآية واضحة على الرابطة المتصلة القوية بين دين النبي الخاتم ودين من سبقه من الأنبياء السابقين، وأنه من عند الله، أرسل به أنبياءه ورسله لهداية البشر.
  وأما الحادثة والرحلة الثانية: فهي رحلة سماوية علوية، من بيت المقدس إلى سدرة المنتهى، واختراقاً للسموات السبع العلياء، مروراً بالأنبياء وتسليماً عليهم، وتعريجاً على الملائكة ومصافحة لهم، ومشاهدة لكثير من الآيات، واطلاعاً على أشياء كثيرة من المغيبات المخفيات، حتى وصل سدرة المنتهى، وبلغ الدرجة والمكانة التي لم يصل إليها أحد قبله من الأنبياء ~ وآله، وهذه الرحلة تسمى المعراج، ولقد كان الإعراج برسول الله ÷، بروحه وجسده جميعاً، وليس معراجاً روحياً كما يقول ذلك بعض الجهلة الأفدام، الذين يحاولون إنكار شيء قد تحدث عنه القرآن، فلو كان إنما عرج بروحه فحسب، لكن ذلك مثل الرؤيا فقط، ولم يكن فيه الإعجاز العظيم على الحد الذي أخبر الله به، ولم يكن فيه الإكرام والتعظيم والتشريف على المستوى الذي أراده الله لنبيه ÷، وهذه الآية العظيمة تحدث عنها القرآن في سورة النجم، في قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ١ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ٢ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ٣ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ٤ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ٥ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ٦ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ٧