روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

2 - حول بداية السنة الهجرية

صفحة 24 - الجزء 1

  وإذَا فَاتَ فَلا عودَةَ ولا رُجُوعَ لَهُ؛ فلَا نكُونُ كالحمْقَى الذين يَفرحُونَ في كلِّ يومٍ بزيادَةِ أموالِهمْ وإنْ نَقَصَتْ أعمَارُهُم، وأَيُّ خَيرٍ في مَالٍ يَزِيدُ وعُمْرٍ يَنقُصُ، فالفرحُ الحقِيقِيُّ لا يَكُونُ إلا بزيادَةِ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ، لَأنَّهُمَا الرفيقانِ لنا في القُبور، حيثُ يتخلفُ عنا الأهلونَ والأموالُ والأولادُ والأَصْدِقَاءُ.

  ولو فَكَّرنَا في أنْفُسِنَا تَفكِيرَاً سَلِيمَاً، لَنَجَحْنَا نَجَاحَاً عَظِيمَاً، فإنّ الليلَ والنَّهارَ أربعٌ وعشرونَ سَاعَةً، فلينظرْ كُلُّ واحِدٍ منا في مَاذَا تَمضِي هذِهِ السَّاعَاتُ، فالنُّومُ يَسْتَغرِقُ منا ثمانَ سَاعَاتٍ علَى الأقلِّ مَثَلَاً، وهِيَ ثُلُثُ اليَومِ والليلةِ، نَقْضِيهَا في مُبَاحٍ لَا نَكْسِبُ فيهِ عِلْمَاً ولَا عَمَلَاً، ونُضَيِّعُ ثمانَ ساعَاتٍ أُخْرَى على الأقلِّ في طَلَبِ الرزقِ والمعاشِ فَيَضِيعُ الثُّلُثُ الثَّانِي، بِلَا كسبٍ صالحٍ بَلْ أَقَلُّ الحالاتِ أنْ نكونَ فيها سَالِمِينَ لم نَكْسِبْ إثماً، فلم يبقَ معنا سِوَى ثُلُثِ اليومِ فَإذَا نظرْنَا كَمْ نقضي منه في الطَّاعَةِ، وَكَمْ نقْضِي فِي الأكلِ والشربِ؟ ومع الأهل والأولاد والأصحاب، فإذا كنتَ مثلاً تقضِي نصفَ الثلثِ الباقي في الطاعَةِ وهو أربعُ ساعات، والنصفَ الثانِي في المباحاتِ، فإنَّك لو عُمِّرتَ خمساً وسبعين عاماً مثلاً، فإنَّ خمسةَ عشرَ عاماً تقريباً قبل البلوغ، بقي سِتُونَ عَامَاً، يَضِيعُ ثُلُثُهَا في النَّومِ وهو عِشْرُونَ عاماً، ويَضِيعُ الثلثُ الثاني في طَلَبِ الرِّزقِ والمعَاشِ وهو عِشرونَ عَامَاً، والمتبَقِّي عشرون عاماً، تَقْضِي نصفَها في الطاعةِ وهو عشرةُ أعوامٍ، ونصفَها في الأكلِ والشربِ ومع الأهلِ والأولادِ والأصحابِ، فقد نَفَدَ العُمُرُ والوقتُ هَبَاءً مَنثُورَاً.

  فَتَفَكَّر أخِي المسلمِ في عُمُرِكَ القَصيرِ كيفَ يضيعُ كُلُّهُ، وإنْ عِشْتَ مائةَ سنةٍ فهي قليلٌ بالنسبَةِ إلى دارَ الآخرةِ التي هِي دارُ الأَبَدِ، والمشكلةُ الكُبرَى تكمنُ في أَنَّكَ مَسؤُولٌ ومحَاسَبٌ عَلَى تِلْكَ الأَيَّامِ التي تَمُرُّ مِن عُمُرِكَ، فَسَوفَ تُسألُ عن عُمُرِكَ فِيمَ أَفْنَيْتَهُ، فأعدِّ الجوابَ ليومِ الحسابِ.